الطلاق

F عطية صقر.

مايو 1997

Mالقرآن والسنة

Q سمعنا أن الطلاق محرم فى الأديان الأخرى فلماذا أباحه الإسلام؟

صلى الله عليه وسلمn الانفصال بين الزوجين معروف من قديم الزمان فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية، لأن الزواج تكوين لشركة تتعاون على تحقيق الهدف منه وهو السكن والمودة ورعاية النسل، وكل شركة لا توفَّق فى تحقيق أهدافها بعد محاولة إصلاحها كان من الأوفق أن تنحل، ويسعى أصحابها للبحث عن شركاء آخرين صالحين لإنتاج الخير.

وجاء الإسلام وهو خاتمة الرسالات فأبقى على هذا المبدأ ونظمه ووضع له ضوابط لعدم إساءة استعماله، فأباح للزوجة إن كانت كارهة لزوجها أن تفتدى منه بمال، وأباح للزوج إن تضرر من زوجته ولم يطق صبرا على ما يراه منها أن ينفصل عنها بعد محاولة التوفيق بين الطرفين، وحفظ الحقوق "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ".

ومن وجوه الحكمة فى تقرير مبدأ الطلاق:

1 -قد تكون الزوجة عقيما والرجل يريد نسلا، وطلب النسل مشروع وهو الهدف الأول من الزواج، ولا ترضى الزوجة بأن يضم إليها أخرى.

أو لا يستطيع هو أن ينفق على زوجتين، وبالمثل قد يكون بالزوج عيب يمنع من وجود النسل، وهى تتوق لإشباع غريزة الأمومة، فلا سبيل إلا الطلاق.

2 - وقد يكون بأحدهما مرض معد يحيل الحياة إلى متاعب وآلام، فيكون العلاج بالطلاق.

3-قد يكون الزوج سيئ العشرة خشن المعاملة لا يجدى معه النصح، وقد تكون هى كذلك فلا مفر من الفراق.

وقد تكون هناك أسباب أخرى منه أو منها فيكون الطلاق أمرا لابد منه، والواقع يقرر أن للطلاق مضار بجوار ما فيه من منافع، فله أثره على المرأة إذا لم يكن لها مورد رزق تعتمد عليه ويخشى أن تسلك مسالك غير شريفة، وله أثره على الرجل فى تحمل تبعاته المالية والنفسية إذا لم يجد من تعيش معه إذا كان الطلاق بسببه، كما يتضرر به الأولاد الذين لا يجدون الرعاية الصحيحة فى كنف الوالدين، فإما أن يعيشوا تحت رعاية زوج أمهم أو تحت رعاية زوجة أبيهم، وإما أن يتشردوا فلا يجدوا ما يحميهم من الانحراف، وفى ذلك كله ضرر على المجتمع.

من أجل هذا جعله الإسلام فى أضيق الحدود، ونهاية المطاف فى محاولة التوفيق، وقرر أنه أبغض الحلال إلى الله، وبيَّن الحديث الشريف أنه من أهم العوامل التى يستعين بها إبليس على إفساد الحياة البشرية، فقال عليه الصلاة والسلام "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول له: ما صنعت شيئا، قال ويجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال فيدنيه، أو قال: فيلتزم ويقول: نعم أنت " رواه مسلم. وكما حذر منه الرجل حذَر المرأة فقال: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن. وكان من هدى الإسلام فى الحد منه إلى جانب ما ذكر:

1 -أنه وصف الزواج بالميثاق الغليظ وذلك يدعو إلى احترامه وعدم التفكير فى حله، قال تعالى {وكيف تأخذونه وقد أفض بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 21.

2 -جعل الطلاق على مراحل من أجل التجربة فلم يحكم بهدم الحياة الزوجية من أول نزاع بين الزوجين، بل جعله على ثلاث مرات يملك بعد كل من الأولى والثانية أن يراجعها، ولا تحل له بعد الثالثة حتى تتزوج غيره، قال تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} إلى أن قال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة: 229، 230.

3- ندب إلى إمساك الزوجة وعدم طلاقها إن كرهها لأمر وفيها أمور تدعو إلى إمساكها، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء: 19، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر " رواه مسلم.

4 - أمر الزوج بضبط أعصابه والتريث فى تقويم زوجته، قال تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} النساء: 34.

5 -إذا لم يستطع الطرفان علاج المشكلة تدخلت عناصر للعلاج تهمها مصلحة الزوجين قال تعالى {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفِّق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا} النساء: 35.

6 - صان قداسة الزوجية من العبث فحذر من صدور كلمة الطلاق حتى على سبيل الهزل. ففى الحديث " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود.

7-لم يحكم بطلاق المجنون والمكره عليه ففى الحديث "رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبى حتى يدرك ومن النائم حتى يستيقظ " رواه أبو داود وصححه وفيه أيضا "إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات وليس فيه علة قادحة، وفيه "لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق " رواه أبو داود والحاكم وصححه. وفسر الإغلاق بالإكراه كما فسر بالغضب وألحق بعض العلماء السكران بالمجنون.

8 - لا يقع الطلاق بحديث النفس دون تلفظ به، ففى الحديث "إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " رواه البخارى ومسلم.

9 -حرم على المرأة أن تشترط لزواجها أن يطلق الزوج من هى تحت يده، ففى الحديث "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما فى صحفتها، فان لها ما قدِّر لها" رواه البخارى ومسلم.

10 - جعل العصمة أصلا بيد الرجل، لأنه هو الذى دفع المهر، ويتكفل بنفقة الزوجية وهو أضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب عليه. وفى دليله مقال.

11 - وهناك تشريعات أخرى كعدم وقوع الطلاق قبل النكاح، والطلاق المعلق الذى لا يقصد به التطليق، وما يسمى بالطلاق السنى والبدعى، وفيها نصوص وخلاف للعلماء.

هذه بعض التشريعات التى تساعد على الحد من الطلاق، وقد علمنا أنه حل يلجأ إليه عند تعذر الإصلاح،. وأخذت به كل التشريعات قديمها وحديثها، وما لجأت إليه بعض الدول من تحريمه وإباحة التفريق الجسدى أدى إلى أخطار كثيرة وانحرافات شكا منها المصلحون.

ومحاولات بعض الدعاة للتجديد وتحرير المرأة للحد منه باقتراحات وإجراءات قضائية، قد تزيد المشكلة تفاقما، وتقضى على فرصة العودة بعد تجربة الفراق وتكشف ما كان ينبغى أن يبقى مستورا، بل جعلت بعض الشباب يحجم أو يتأخر عن الزواج خشية تبعاته وتبعات الفراق، وفى ذلك إضرار بالمرأة أيضا من حيث يظن المتحررون أنهم يخدمونها.

وفى اتباع هدى الإسلام تشريعات وخلقا، مع الإخلاص المتبادل، ما يغنى عن كل هذه الاقتراحات، التى لا يعدم من لا ضمير عنده أن يتحايل حتى لا يقع تحت طائلتها، والواقع يشهد بذلك، فلنحرص على التمسك بالدين ولنتعلم ما جاء عن الله ورسوله بفهم دقيق وإحاطة وشمول ففيه الخير كله {ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم} آل عمران: 101.

هذا، وهناك أحكام كثيرة تتعلق بالطلاق لا مجال لذكرها هنا، والمقصود هو بيان حكمة مشروعيته ورفع الاعتراض عن تقرير الإسلام له، أما ما تختلف فيه القوانين المعمول بها فى البلاد الإسلامية فهو فى مسائل فرعية وللاجتهاد فيها مجال كبير، وذلك لا يضر ما دام الأصل سليما وهو مشروعيته وعدم إبطاله. فهو تشريع حق عادل منصف لا عيب فيه، وإنما العيب على من يجهلونه أو يسيئون تطبيقه.

وقد بحث موضوع الطلاق فى المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد فى سنة 1385 هـ (1965 م) وانتهى فى قرارته إلى أن الطلاق مباح فى حدود ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وأن طلاق الزوج يقع دون حاجة إلى إذن القاضى.

وللاستزادة بعد كتب الفقه يمكن الرجوع إلى:

1 -كتاب الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج.

2-أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى.

3-بحث تنظيم الأسرة للشيخ (محمد أبو زهره) من بحوث المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية.

4 -الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء السادس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015