F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مضى على زواجنا عشرون سنة وأنا متمتعة بحياة زوجة سعيدة، ولكن زوجى مرضى مرضا أحسست بأننى لا أطيق البقاء معه، لقيامى على خدمته وضيق ذات اليد عندنا، فهل من الجائز أن أطلب الانفصال عنه، أو الأفضل أن أظل معه مع المعاناة الشديدة التى أعيش فيها؟
صلى الله عليه وسلمn لا شك أن الحياة متقلبة بين اليسر والعسر، والصحة، والمرض، والمؤمن الصادق يثبت جدارته بالحياة فى كل الأحوال، كما جاء فى الحديث الذى رواه مسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ".
والزوجة تقر بأنها عاشت مع زوجها أياما سعيدة عندما كان صحيح الجسم وافر الثراء، فهل من المروءة والإنسانية أن تتركه فى محنته لتتزوج غيره تكمل معه مشوار حياتها سعيدة كما بدأته.
إن التى تفكر فى ذلك تدخل تحت حكم الحديث الذى ينهى عن كفران العشير، فقد نسيت ما قدمه لها زوجها من خير، وتبخر بسرعة ما نعمت به سنوات طوالا، وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد بكثرة التصدق، لأن أكثرهن حطب جهنم، بسبب كثرة الشكاة وكفران العشير "لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط ".
إن الزوجة الصالحة تعين زوجها على نوائب الدهر لا أن تتخلى عنه، وكفى بالسيدة خديجة رضى الله عنها مثالا رائعا فى صدق معونتها للنبى صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل والمال. وبهاجر أم إسماعيل التى تحملت الوحدة وقاست البعد والألم طاعة لأمر الله وأمر زوجها إبراهيم، وبأم الدحداح التى شجعت زوجها على التصدق بالحديقة فى سبيل الله، وبزينب الثقفية التى ساعدت زوجها ابن مسعود بمالها فى حال إعساره، وبزينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم التى وفت لزوجها فخلصته من الأسر بأعز ما تملكه.
إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان هناك سبب قاهر يجعل الحياة متعذرة أو متعسرة، ففى الحديث الحسن الذى رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه "أيما امرأة سالت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ".
وفقر الزوج المريض إن وصل إلى حد الإعسار بالنفقة الواجبة، هل يجيز لها طلب التفريق أو لا؟ مذاهب الفقهاء فى ذلك مختلفة، فقيل: يجبر على طلاقها عند إعساره أو امتناعه، وقيل: يؤجل شهرا ثم يطلق عليه الحاكم، وقيل: تخير إن شاءت أقامت وإن شاءت فسخت، وقيل ليس لها الفسخ ولكن تَرْفَعُ يده عنها لتكتسب، وليس عليها أن تمكنه من الاستمتاع بها، والاحتجاج لكل هذه الآراء طويل يمكن الرجوع إليه فى كتاب زاد المعاد لابن القيم، الذى قال فى ختام بحثه: والذى تقتضيه أصول الشريعة أن الرجل إذا غرر بالمرأة قبل الزواج بأنه ذو مال ثم ظهر أنه مفلس، أو كان ذا مال وترك الإنفاق عليها ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها أو بالحاكم فلها الفسخ، وإن تزوجته وهى عالمة بعسره أو كان موسرا ثم أعسر فلا فسخ لها.
وهذا رأى جميل يضم إليه أن ترفع يده عنها لتكتسب وتبقى على عصمته، ولها أن تمتنع عن تمكينه من التمتع بها، فإن عجزت عن الاكتساب أو وجدت عنتا فيه فأرى أنها تخير بعد ذلك فى البقاء معه أو الانفصال عنه إذا لاح لها فى الأفق ما يوفر لها الحياة الكريمة