F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو عدد الرضعات التى يحرم بسببها الزواج؟
صلى الله عليه وسلمn قال تعالى فى آية المحرمات من النساء {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} النساء: 23.
والرضاع المحرم للمصاهرة اختلف الفقهاء فى عدد مراته، ويتلخص ذلك فيما يلى:
1 - قليل الرضاع وكثيره سواء فى التحريم، أى بالمرة الواحدة والمرات الكثيرة، وبالقدر القليل فى الرضعة الواحدة والكثير منها، وهذا مذهب مالك وأبى حنيفة، وزعم الليث بن سعد أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم فى المهد ما يفطر به الصائم، وهذا القول رواية عن أحمد.
وحجتهم أن الله علَّق التحريم باسم الرضاعة، فحيث وجد اسمها وجد حكمها، ولأنه فعل يتعلق به التحريم فاستوى قليله وكثيره، وذلك للاحتياط فى الأبضاع بالذات، ولأن إنشاز العظم وإنبات اللحم يحصل بالقليل والكثير، ولأن القائلين بالعدد اختلفت أقوالهم فى الرضعة وحقيقتها، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم لما رفعت له قضية عقبة بن الحارث الذى تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب، وجاءت أَمة سوداء فقالت: قد أرضعتهما، لم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن عدد الرضعات، وهو فى الصحيحين عن عائشة.
2 - لا يثبت التحريم بأقل من ثلاث رضعات، وهو رواية ثانية عن أحمد بن حنبل، ودليل هذا الرأى حديث " لا تحرِّم المصة ولا المصتان " وفى رواية "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان " رواه مسلم عن عائشة، وأقل مرتبة فى التحريم بالعدد بعد المرتين هو الثلاثة.
3- لا يثبت التحريم بأقل من خمس رضعات، وهو مذهب الشافعى وأحمد فى ظاهر مذهبه، وقول ابن حزم الذى خالف داود الظاهرى فى هذه المسألة، وهو أحد الروايات الثلاث عن عائشة، والرواية الثانية عنها أنه لا يحرم بأقل من سبع رضعات، والثالثة لا يحرم بأقل من عشر.
وحجة القائلين بالخمس حديث عائشة فى الصحيحين البخارى ومسلم:
كان فيما نزل من القرآن "عشر رضعات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن، وما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لسهلة بنت سهيل "أرضعى سالما خمس رضعات تحرمى عليه ".
قالوا: عائشة أعلم الأمة بحكم هذه المسألة هى ونساء النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت عائشة إذا أرادت أن تدخل عليها أحدا أمرت إحدى بنات إخوتها أو أخواتها أن ترضعه خمس رضعات، وقالوا أيضا: نفى التحريم بالرضعة والرضعتين صريح فى عدم تعليق التحريم بالقليل والكثير، وهى ثلاثة أحاديث صحيحة صريحة، والتعليق بالخمس لا يخالف نصًا، وإنما هو تقييد للمطلق، فهو بيان للقراَن لا نسخ ولا تخصيص.
ومن علق التحريم بالثلاث خالف أحاديث الخمس، واختار القضاء المصرى هذا الرأى وعليه الفتوى.
ثم إن القائلين بالرأيين الأولين ردوا حديث عائشة، لأنها نقلته نقل قرآن، ولا يقبل فيه الآحاد، بل لابد فى قبوله من التواتر، وعلى هذا لا يثبت به حكم ما دام غير قرآن، ورد عليهم أصحاب الرأى الثالث بأن خبرها يقبل قبول الأحاديث ويكفى فيه خبر الواحد، لأنه ما دام لم يقبل كقرآن فليس هناك إلا أن يقبل كحديث نبوى، لأنه لا يصح نسبته إليها كقول خاص بها، فإن هذا الأمر لا يقال فيه بالرأى، ولذلك عده رجال الحديث من السنة النبوية. والموضوع مبسوط فى كتاب "زاد المعاد" لابن القيم ج 4 ص 167 - 182 وملخص فى الجزء الأول من "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " ص 361.
هذا، واشترط القائلون بالتحريم بتعدد الرضعات أن يكون العدد متيقنا، ولو حدث شك فى ذلك لا يثبت التحريم، ومن هنا أنبه من تقوم بإرضاع غير طفلها أن تسجل ذلك أو تُعْلِمَ به عددا من الناس حتى يشتهر أمره، حتى لا يتم فى المستقبل زواج بين أخوين من الرضاعة فى غيبة الأم المرضع أو نسيانها.
وأرى أنه عند الشك - وإن كان لا يثبت به التحريم -ألا يتم الزواج، ما لم تكن ضرورة أو حاجة مُلِحة