تبرج الجاهلية الأولى

F عطية صقر.

مايو 1997

Mالقرآن والسنة

Q ما هى الجاهلية الأولى، وماذا كانت عليه من التبرج المنهى عنه؟

صلى الله عليه وسلمn قال تعالى {وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} الأحزاب:

32، الآية مذكورة فى سياق النداء لنساء النبى صلى الله عليه وسلم.

ترشدهن إلى الاستقرار فى بيوتهن وعدم التبرج كما كان عند الجاهلية الأولى.

والتبرج قيل: هو المشى مع تبختر وتكسر، وقيل: هو أن تلقى المرأة خمارها على رأسها ولا تشده، فتنكشف قلائدها وقرطها وعنقها، وقيل: هو أن تبدى من محاسنها ما يجب ستره. وهو مأخوذ من البَرَج -بفتح الباء والراء -أى السعة، كما توصف العين الحسنة بالسعة، وكما يقال فى أسنانه برج، إذا كانت متفرقة. وقيل: هو من البرج -بضم الباء، أى القصر العالى.

ومعنى تبرجت ظهرت من برجها، وهو بهذا المعنى يجعل جملة "ولا تبرجن " مؤكدة لجملة "وقرن ".

والجاهلية الأولى مختلف فى تحديد زمنها. وملخص الأقوال كما فى تفسير القرطبى "ج 14 ص 179 ":

ا -ما بين آدم ونوح. وهى ثمانمائة سنة. قاله الحكم بن عيينة.

2 -ما بين نوح وإدريس، كما قاله ابن عباس.

3-ما بين نوح وإبراهيم، كما قاله الكلبى.

4 -ما بين موسى وعيسى، كما قاله جماعة.

5 -ما بين داود وسليمان. كما قاله أبو العالية.

6-ما بين عيسى ومحمد، كما قاله الشعبى.

وكلها أقوال لا يسندها دليل صحيح. فالقدر المتفق عليه أنها قبل البعثة النبوية بزمن طويل، لأن وصفها بالأولى يشعر بأن هناك جاهلية ثانية أتت بعدها، وهى أقرب منها إلى البعثة.

وكانت المرأة فى الجاهلية الأولى تلبس الدرع من اللؤلؤ، أو القميص من الدر غير مخيط الجانبين، وتلبس الرقاق من الثياب ولا توارى بدنها، فتمشى وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال.

وهذا يشعر بأن ذلك العهد عهد ترف، فهل كان فى أيام عاد وثمود حيث جاء فى القرآن الكريم ما يدل على أن هؤلاء كان فيهم حضارة وقوة وترف يبنون بكل مكان آية على قوتهم يعبثون ولا يجدّون بشكر الله. ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون. وأمدهم الله بأنعام وبنين وجنات وعيون، وينحتون من الجبال بيوتا فارهين؟ ربما يكون ذلك هو عهد الجاهلية الأولى، ومهما يكن من شىء فإن الجاهلية الثانية المتصلة ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم ما كانت بهذا الثراء الفاحش، لكن كان فى بعض نسائها بعض مظاهر التبرج، الذى قد يصل إلى العرى الكامل فى بعض الأحيان. فقد ذكر مسلم فى صحيحه "كتاب التفسير" أن المرأة كانت تطوف بالبيت وهى عريانة - وفى لسان العرب: إلا أنها كانت تلبس رهطا من سيور-فتقول: من يعيرنى تطوافا-بفتح التاء وكسرها-تجعله على عورتها وتقول:

اليومَ يبدو بعضُه أوكلُّهُ * فما بدا منه فلا أُحِلُّهُ فنزل قوله تعالى {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف: 31 وكان إعطاء المرأة ما تطوف به يُعد من البر.

ووصف التبرج بأنه تبرج الجاهلية الأولى، لا يعنى أن المنهى عنه هو ما كان على هذه الصورة الفاضحة، بل هذا الوصف لبيان الواقع وليس قيدا لإخراج ما عداه من الحكم. ويراد به بيان شناعته ومضادته للذوق والفطرة السليمة.

فلا يقال: إن التبرج البسيط معفو عنه ما دام لم يكن فاضحا حسب العرف الذى يحدده، ومثاله قوله تعالى فى الربا {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} فالمراد النهى عنه مطلقا حتى لو كان بسيطا، لكن ذلك هو ما كان عليه العرب كمظهر من مظاهر الجشع والاستغلال.

والتبرج المنهى عنه فى الإسلام هو كشف العورة التى يختلف حجمها أو مساحتها باختلاف من يطلعون عليها، فمع المحارم كالأب والابن والأخ، هى ما بين السرة والركبة، ومع الرجال الأجانب هى جميع البدن ما عدا الوجه والكفين، والخدم الموجودون الآن رجال أجانب، وعورة المرأة مع المرأة كعورتها مع المحارم. وليس من المحارم ابن العم وابن العمة وابن الخال وابن الخالة، وأخو الزوج وكل أقاربه ما عدا والده.

وإذا جاز لها كشف الوجه مع الأجانب فليكن من غير أصباغ ومغريات فاتنة، فالمقصود من النهى عن التبرج هو عدم الفتنة وسد باب الفساد.

وإذا كان النهى موجها. إلى نساء النبى فغيرهن أولى، لعدم وجود ما لديهن من الشرف والحصانة والانتساب للرسول والبيئة الصالحة.

ويتبع كشف العورة لين الكلام والتعطر والخلوة والتلامس وكل ما يدعو إلى الفتنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015