F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يمكن أن يحدث زواج بين الإنس والجن؟
صلى الله عليه وسلمn الكلام فى هذا الموضوع فى مقامين، الأول إمكان حدوثه والثانى مشروعيته. وقد فصل هذين المقامين المحدث الشبلى الحنفى المتوفى سنة 769 هـ فى كتابه " آكام المرجان " كما تحدث عن ذلك الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى ".
أولا - إمكان التزاوج بين الإنس والجن، قد أثبته الجمهور مستدلين بقوله تعالى لإبليس {وشاركهم فى الأموال والأولاد} الإسراء: 64، ويوضح هذه المشاركة ما ذكره ابن جرير فى " تهذيب الآثار " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا جامع الرجل امرأته ولم يسم انطوى الشيطان إلى إحليله فيجامع معه ".
ويقول الشبلى: إن المنكرين لإمكان المناكحة اعترضوا بأن الجن خلقوا من نار، والإنس من العناصر الأربعة. وهذا يمنع وجود النطفة الإنسانية فى رحم الجنية - ثم يرد عليهم بأن الجن وإن كانوا خلقوا من نار إلا أنهم لم يبقوا على عنصريتهم النارية، بل استحالوا عنها بالأكل والشرب والتوالد، كما استحال بنو آدم من عنصرهم الترابى بذلك.
ويقول أيضا: إن الذى خلق من نار هو أبو الجن، كما خلق آدم أبو الإنس من تراب وأما ذرية كل منهما فليست مخلوقة مما خلق منه أبوهما، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بأنه وجد برد لسان الشيطان الذى عرض له فى صلاته على يده لما خنقه. وفى رواية قال النبى صلى الله عليه وسلم " فما زلت أخنقه حتى برد لعابه " فبرد لسان الشيطان ولعابه دليل على أنه انتقل عن العنصر النارى.
ثم يقول الشبلى أيضا فى رده على المنكرين: لو سلمنا عدم إمكان العلوق -أى وجود نطفة الإنس فى رحم الجنية - فلا يلزم منه عدم إمكان الوطء فى نفس الأمر، كذلك لا يلزم من عدم إمكان العلوق عدم جواز النكاح شرعا، لان الصغيرة والآيسة والعقيم اللاتى لا يمكن العلوق معهن يجوز نكاحهن شرعا.
هذه هى أدلته النظرية، ويورد أدلة واقعية فينقل أخبارا عمن يثق بهم، أن هذه المناكحات حدثت بالفعل.
ثانيا - أما مشروعية النكاح بين الجنسين فيذكر الشبلى عنها أن للعلماء فى ذلك رأيين:
الأول: المنع، ونص عليه جماعة من أئمة الحنابلة. وينقل عن الفتاوى السراجية النهى عنه، واستدلوا بقوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} النحل: 72، وقوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم: 21، موجهين استدلالهم باختلاف الجنسين، وتفسير المودة بالجماع، والرحمة بالولد. كما يستدلون بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عنه.
والرأى الثانى الجواز، ونقل عن الحسن البصرى وقتادة وغيرهما.
وشهد الأعمش نكاحا للجن بجهة " كوثى " كما ذكره أبو بكر الخرائطى، وسيأتى ما نسب إلى مالك فى ذلك. وحجة هؤلاء فى عدم المنع أن الأصل فى التكليف أنه يعم الفريقين الإنس والجن، وليس هناك ما يخصص هذا التعميم بالنسبة للمناكحة بينهما كما قالوا: إن فى أدلة المانعين نظرا، لأن الآيتين المذكورتين لا تنصان على التحريم. فاختلاف الجنس لا نص على منعه من النكاح، والمودة والرحمة لا يتعين تفسيرهما بالجماع والولد. وحديث النهى عنه مردود بأنه مرسل ومن طريق ابن لهيعة، وهو مطعون فيه، وإن صح فيجوز حمله على الكراهه لا التحريم.
وأصحاب الرأى القائل بالجواز يكرهون هذا النكاح، لأنه لا يحدث به تمام المودة والرحمة، لاختلاف الجنس، ولعدم الاطمئنان على حل المشكلات التى تحدث بين الزوجين، من لعان وإيلاء وطلاق وتحصيل نفقة، وما إلى ذلك من الأمور التى ذكرها الفقهاء فى هذا الصدد.
كما أن الإمام مالكا أورد وجهة نظر فى الكراهة لها قيمتها، فقد قيل له: إن ها هنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال، فقال: ما أرى بذلك بأسا فى الدين، ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل لها: من زوجك؟ قالت: من الجن، فيكثر الفساد فى الإسلام بذلك، يريد أن الزانية قد تبرر حملها بزواجها من جنى وقد أورد ذلك أبو عثمان سعيد بن العباس الرازى فى كتاب " الإلهام والوسوسة" فى باب نكاح الجن.
وهذا فى تزوج الجنى من الإنسية، أما العكس فظاهر كلامه عدم الكراهة انتهى.
بعد هذا أرى أن الأصل فى نكاح الجن هو الحل، لعدم ورود ما يمنعه، ولكنه مكروه طبعا. . وفى الإنس متسع لمن يريد المودة والرحمة واستقرار الحياة الزوجية وخدمة المجتمع البشرى " انظر الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "