السحور والمسحراتى

F عطية صقر.

مايو 1997

Mالقرآن والسنة

Q يرى بعض الناس الآن أن قيام المسحراتى بإعلان الناس بالسحور بدعة لم تكن على أيام النبى صلى الله عليه وسلم فما حكم الدين فى ذلك؟

صلى الله عليه وسلمn معلوم أن تناول طعام السحور سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك للتقوِّى به على الصيام، كما جاء فى حديث البخارى ومسلم: "تسحَّروا فإن فى السحور بركة " ووقته من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والمستحب تأخيره، ففى البخارى ومسلم عن زيد بن ثابت: تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، وكان قدر ما بينهما خمسين آية.

وكان هناك أذانان للفجر، أحدهما يقوم به بلال، وهو قبيل الوقت الحقيقى للفجر، والثانى يقوم به عبد الله بن أم مكتوم، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أذان بلال ليس موعدًا للإِمساك عن الطعام والشراب والمفطرات لبدء الصيام، وأذن لنا فى تناول ذلك حتى نسمع أذان ابن أم مكتوم. ففى حديث البخارى ومسلم " إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وروى أحمد وغيره قوله صلى الله عليه وسلم "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن - أو قال ينادى - ليرجع قائمكم وينبه نائمكم ".

ومن هنا كان أذان بلال بمنزلة الإِعلام بالتسحير فى شهر رمضان، وما كان الناس فى المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور. يقول المؤرخون: لما جاء إلى مصر عتبة بن إسحاق واليا من قِبل الخليفة العباسى المنتصر بالله قام هو بالتسحير سائرا على قدميه من مدينة العسكر فى الفسطاط حتى جامع عمرو بن العاص وكان ذلك سنة 238 هـ وممن اشتهروا بالتسحير "الزمزمى" فى مكة، "ابن نقطة" فى بغداد، وكان الزمزمى يتولى التسحير فى صومعته بأعلى المسجد ومعه أخوان صغيران يقول: يا نيامًا قوموا للسحور، ويدلى حبلا فيه قنديلان كبيران، من لم يسمع النداء يرى النور. ثم تطور التسحير فكان أهل مصر أول من ابتكروا "البازة" مع الأناشيد، ويقوم عدة أشخاص معهم طبل بلدى وصاجات برئاسة المسحراتى، ويغنون أغانى خفيفة، "إبراهيم عنانى - جريدة الأخبار 15 من رمضان 1414 - 25 من فبراير 1994 م ".

ويقول الدكتور حسين مجيب المصرى: الشعر الذى كان يستخدمه المسحراتى كان يسمى " فن القوما " واشتهر به "ابن نقطة" الذى كان موكولا إليه إيقاظ الخليفة للسحور، ولا يلتزم فيه باللغة العربية. وذكر نموذجا منه. وذكر أن ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتى، وكان يعلق بالمآذن، وشاهده ابن بطوطة فى رحلته ورأى فى الحرم المكى الاحتفال برمضان، وقال: كانوا يعلقون قنديلين للسحور ليراهما من لم يسمع الأذان ليتسحر " الأخبار 18 / 4 /1988، 25/ 2/ 1994".

نرى من هذا أن الإِعلام بوقت السحور له أصل فى الدين، فكان فى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بأذان بلال، وكان فى العصور التى تلت ذلك بوسائل شتى، بإضاءة الأنوار، وبإنشاد الأشعار، وبالضرب على الآلات، ثم بإطلاق الصفارات وضرب المدافع وغير ذلك من الوسائل.

ولا ينبغى أن نسرع -كما قلت مرارا - بإطلاق اسم البدعة وجعلها ضلالة فى النار على كل شىء جديد لم يكن بصورته الحالية موجودا فى عهد التشريع، فقد يكون له أصل مشروع، والصورة هى التى تغيرت، فإن كانت الصورة غير خارجة عن الدين فلا بأس بها أبدا، وسنة التطور تقضى بذلك ما دامت فى الإِطار العام للدين، وفى التنبيه على السحور دلالة على الخير وتعاون على البر، والدال على الخير كفاعله، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه.

مدفع الإفطار:

فى منتصف القرن التاسع الهجرى انطلقت أول طلقة لمدفع الإفطار فى رمضان، وتبدأ الحكاية فى زمن والى مصر "خوشقدم" عندما أهدى إليه مدفع، فأمر بتجربته فانطلقت أول طلقة، وصادف الوقت أن كان عند غروب الشمس فى أول يوم من رمضان، فظن الناس أنه تقليد جديد اتبعه الوالى للإِيذان بموعد الإِفطار، فشكروه على ذلك وصار تقليدا " جريدة مايو 26 / 5 / 1986"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015