F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز دفع جزء من الزكاة فى بناء المساجد، وبخاصه للجاليات الإسلامية فى البلاد الأجنبية؟
صلى الله عليه وسلمn سبيل الله فى اللغة هو الطريق الموصل إلى مرضاته، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهى، وعند إطلاقه فى الشرع ينصرف إلى الجهاد، حتى صار لكثر الاستعمال كأنه مقصور عليه كما قال ابن الأثير فى " النهاية ".
وكون الجهاد من مصارف الزكاة الثمانية الموجودة فى قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة: 60، أمر متفق عليه بين الفقهاء، مريدين بسبيل الله الجهاد لكن ما وراء الجهاد من أعمال الخير فالمذاهب مختلفة فيه:
فالأحناف يقصرون سبيل الله على الجهاد، تصرف على المجاهدين تمليكا لهم. مشترطين فيهم الفقر والحاجة، وقد أخذ عليهم هذا الشرط لأنهم به داخلون تحت اسم الفقراء، ولم تعد هناك حاجة إلى مصرف (سبيل الله) فى الآية. والكاسانى فى " بدائع الصنائع " جعل جميع القرب والطاعات من سبيل الله، لكنه اشترط أيضا تمليك الزكاة للشخص المستحق لها.
وعلى هذا لا يجوز صرفها فى بناء المساجد وتكفين الموتى وقضاء الديون عنهم " رد المحتار ج 2 ص 85 ".
والمالكية متفقون على أن سبيل الله فى الزكاة هو الجهاد وما يتعلق به من إعداد ومرافق، ولا يشترطون فيها تمليكا للأشخاص، ولا يشترطون الفقر ليكون سبيل الله صنفا متميزا عن الفقراء والمساكين.
والشافعية أرادوا بسبيل الله المجاهدين المتطوعين لا من ترتب لهم أرزاق لعملهم هذا، ولا يشترطون الفقر فى هؤلاء المتطوعين، فهم كالمالكية فى قصر سبيل الله على الجهاد، لكن أرادوا بالمجاهدين المتطوعين.
والحنابلة كالشافعية فى هذا الرأى، لكن جاء فى رواية عن أحمد جعل الحجاج كالمجاهدين داخلين فى سهم سبيل الله لحديث أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكرا فى سبيل الله وأنها أرادت العمرة فسألت زوجها البكر فأبى، فأتت النبى صلى الله عليه وسلم وذكرت له ذلك فأمره أن يعطيها البكر وقال (الحج والعمرة فى سبيل الله) رواه أحمد وأبو داود برواية أخرى، والروايتان ضعيفتان.
فالمتفق عليه بين الفقهاء أن سبيل الله هو الجهاد، مع الاختلاف فى اشتراط الفقر وعدمه، وفى تمليكها للشخص أو عدم تمليكه، وفى قصره على المتطوعين أو تعميمه على جميع المجاهدين. وما نقل عن الكاسانى فى جعل أنواع القربات الأخرى من سبيل الله شرط فيه التمليك للشخص لا أن تصرف فى بناء المساجد وغيرها.
وابن قدامة الحنبلى فى " المغنى " صوب رأى الجمهور ولم يرتض رواية أحمد فى صرفها على الحجاج وقال معللا لذلك: إن الزكاة تصرف لأحد رجلين: محتاج كالفقراء والمساكين وفى الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعاملين على الزكاة والغزاة والمؤلفة قلوبهم والغارمين لإصلاح ذات البين. أما الحج للفقير فلا نفع للمسلمين فيه، ولا حاجة به إليه أيضا فهو غير واجب عليه ولا مصلحة له فى إيجابه عليه وتكليفه مثقة خففها الله عنه، وتوفير هذا القدر على ذوى الحاجة من سائر الأصناف أو دفعه فى مصالح المسلمين أولى.
وهناك بعض العلماء توسعوا فى معنى" سبيل الله " ليشمل جميع أنواع القربات، منهم الفخر الرازى حيث نقل عن القفال فى تفسيره أن بعض الفقهاء أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه البر من تكفين الموتى وعمارة المساجد وغيرها، ولم يعين من هم هؤلاء الفقهاء المجيزون، وإن كان لا يوصف بالفقيه إلا المجتهد. ونسب ابن قدامة فى " المغنى " هذا الرأى إلى أنس بن مالك والحسن البصرى ولكن المحققين بينوا أن هذه النسبة خطأ لعدم فهم ما نقله أبو عبيد عنهما فى كتابه " الأموال ".
ومن المتوسعين فى سبيل الله الإمامية الجعفرية كما ذكر فى كتاب "المختصر النافع " وكتاب " جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام " فى فقه الشيعة. ومنهم أيضا السيد صديق حسن خان فى كتاب " الروضة الندية " الذى يقول: ليس هناك دليل على تخصيص سبيل الله بالجهاد. فليبق على معناه اللغوى واسعا، وكونه انصرف إلى الجهاد فى العهود الأولى لا يمنع من شموله لكل ما يوصل إلى رضاء الله من أنواع القربات، ومال إلى هذا الرأى جمع من العلماء المتأخرين والمعاصرين.
وعلى هذا الرأى يجوز صرف جزء من الزكاة فى بناء المساجد والمعاهد وتحفيظ القرآن وإيواء اللاجئين ونشر الثقافة الدينية، وكل عمل يعز الإسلام ويقوى شوكة المسلمين ويدفع عنهم غائلة الاستعمار والسيطره بأى شكل من الأشكال