F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن الكولونيا والعطور المحلولة فى الكحول نجسة، فهل هذا صحيح؟
صلى الله عليه وسلمn الحكم فى استعمال الكولونيا والعطور المحلولة فى الكحول متوقف على حكم الكحول نفسه. هل هو نجس أو طاهر، وقد اختلفت أنظار العلماء فيه، بناء على أنه من قبيل المسكرات كالخمر أو من قبيل المواد السامة أو شديدة الضرر، والكل متفقون على حرمة شربه، فهو مسكر وكل مسكر خمر وكل خمر حرام، كما جاء فى السنة النبوية والإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار كما جاء فى السنة أيضا بنصوص كثيرة.
والقائلون بأنه كالخمر اختلفوا فى نجاسته، فالأئمة الأربعة على أن الخمر نجسة، بدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} المائدة: 90،حيث قالوا: إن الرجس هو النجس أو المستقذر والخبيث، والشرع قد حكم عليها بأنها رجس وأمر باجتنابها فتكون مع حرمتها نجسة، وعلى هذا يكون الكحول نجسا.
وخالف فى هذا الحكم الإمام ربيعة شيخ الإمام مالك، والليث بن سعد، والمزنى صاحب الإمام الشافعى، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، فقالوا: إن الخمر طاهرة، واستدل سعد بن الحداد القروى على طهارتها بِسَكْبِها فى طرق المدينة عند ما جاء النص بتحريمها، حيث قال: لو كانت نجسة ما فعل الصحابة ذلك، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كما نهى عن التخلى فى الطرق -أى البول والغائط فيها-وعلى هذا يكون الكحول طاهرا.
وهؤلاء ردُّوا دليل الجمهور على نجاستها-وهو الآية المذكورة - فقالوا: إن الرجس إذا أريد به النجس فالنجاسة هنا حكمية، كنجاسة المشركين الواردة فى قوله تعالى {إنما المشركون نجس} التوبة: 28،ولا شك أن كل محرم نجس حكما، ويقوى ذلك أن الرجس وصف به كل ما ذكر فى الآية مع الخمر، وهو الميسر والأنصاب والأزلام، ولم يقل أحد بنجاسة هذه الأشياء نجاسة عينية، فالخمر لذلك ليست نجاستها عينية بل هى حكمية، ويبقى القول بنجاستها العينية محتاجا إلى دليل، وأجاب الجمهور على ادعاء أن نجاسة الخمر لا نص فيها، وعلى أنه لا يلزم من كونها محرمة أن تكون نجسة، فقالوا:
إن قوله تعالى {رجس} يدل على نجاستها، لأن الرجس فى اللسان -أى اللغة العربية - النجاسة، ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم إلا إذا وجدنا فيه دليلا منصوصا لتعطلت الشريعة، فإن النصوص فيها قليلة.
لكن كما قدمنا إذا كان الرجس هو النجاسة فهو محتمل للنجاسة الحسية والمعنوية كما ذكر فى المشركين، فالدلالة اللفظية هنا ظنية، وليست قطعية، ولو صح قولهم -كما قدمنا-للزم عليه نجاسة الميسر والأنصاب والأزلام، ولم يقل أحد بنجاستها نجاسة حسية،- وقد يرد عليهم بأن الأصل فى الأشياء الإباحة والطهارة ما لم يدل دليل على غير ذلك، ولا يوجد دليل على نجاستها، أما الدليل على حرمتها فثابت بالكتاب والسنة ومن هنا يعوزكم الدليل الخالى من الاحتمال على نجاستها.
كما أجاب الجمهور القائلون بنجاسة الخمر على دليل القائلين بطهارتها وهو سَكْبُها فى طرق المدينة، بأن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن لهم سروب - حفر تحت الأرض -أى المجارى، ولا آبار يريقون الخمر فيها، لأن الغالب من أحوالهم اْنهم لم يكن لهم (كُنُف) فى بيوتهم. والضرورات تبيح المحظورات.
وهذا الخلاف كله فى الخمر المتخذة من عصير العنب، أما باقى المسكرات المتخذة من.الشعير والعسل والتين وغيرها فالأئمة الثلاثة على نجاستها، والمذهب المفتى به عند الحنفية أنها نجسة أيضا وإن قال بعضهم بطهارتها.
والخلاصة أن الخمر نجسة عند الجمهور، فيكون الكحول نجسا أيضا عندهم، أما عند غير الجمهور فهى طاهرة، وبالتالى يكون الكحول طاهرا أيضا.
هذا عند من جعل الكحول من المسكرات، أما من جعله من المواد السامة والضارة فهو طاهر كطهارة الحشيش والأفيون وكل ضار، حيث لم يقل أحد بنجاستها نجاسة عينية، وإن كانت نجسة حكما بمعنى أنها محرَّمة.
ومن القائلين بطهارة الخمر من المتأخرين الشوكانى والصنعانى صاحب " سبل السلام " وصدِّيق حسن خان فى كتابه " الروضة البهية " ذاهِبَا إلى أن الأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح، والشيخ محمد رشيد رضا فى تفسير " المنار " مال إلى القول بعدم نجاسة الكحول والخمر، وكذلك العطور المختلطة به، لعدم وجود الدليل الصحيح على النجاسة، ولأن الرجس فى الخمر رجس حكمى بمعنى التحريم، والكحول موجود فى كثير من المواد الغذائية بنسب متفاوتة وهو غير مستقذر لأنه يستعمل فى التطهير، وشيوع استعماله فى الأغراض الطبية والنظافة وغيرها يجعل القول بنجاسته من باب الحرج وهو منفى بنص القرآن، كما حكى الغزالى وجها فى الخمر المحترمة وهى التى اعتصرت بقصد أن تتخذ خلا. ثم ذكر القول بأن ما اعتصره أهل الكتاب من المحترمة، بناء على عدم تكليفهم بفروع الشريعة، فكل خمور أهل الكتاب طاهرة على هذا الوجه.
وينتهى الشيخ محمد رشيد رضا فى تفسيره إلى أن الخمر مختلف فى نجاستها عند علماء المسلمين، وان النبيذ طاهر عند أبى حنيفة وفيه الكحول قطعا، وأن الكحول ليس خمرا، وأن الأعطار الإفرنجية ليست كحولا، وإنما يوجد فيها الكحول كما يوجد فى غيرها من المواد الطاهرة بالإجماع، وأنه لا وجه.
للقول بنجاستها حتى عند القائلين بنجاسة الخمر " انظر تفسير المنار- المجلد الرابع ص 505، 821، 866 ".
هذا بعض من المعركة التى، دارت حول نجاسة الكحول وطهارته بسطناها فى كتابنا " الإسلام ومشاكل الحياة "ج 1. وما دام الأمر خلافيا فلعل من التيسير بعد شيوع استعماله فى الطب والتطهير والتحاليل المختلفة والعطور وغيرها - الميل إلى القول بطهارته إن جعل من المواد السامة والضارة، وإن كان يستعمل أحيانا كالخمر فإن نجاستها غير متفق عليها، وبخاصة إن كانت من غير عصير العنب، وهو يستخرج الآن من مواد مختلفة.
وعليه فلا يجب غسل ما أصابته الكولونيا من البدن والملابس وغيرها، وتصح الصلاة مع وجودها. " انظر الفتاوى الإسلامية المجلد الخامس ص 1652 "