F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كثير من المشيعين للجنازة لا يصلون عليها، فهل هم مقصرون، وهل يؤثر ذلك على الجنازة نفسها؟
صلى الله عليه وسلمn صلاة الجنازة فرض كفاية، بمعنى أنه لو صلاها بعض الناس سقط الطلب عن الباقين، أى لا يعذبون، ولكن فاتهم ثواب كبير، والمؤمن الصادق لا ينبغى أن تفوت منه فرصة يكسب فيها ثوابا مهما كان حجمه. فقد جاء أن كل مؤمن سيندم يوم القيامة، إن كان مسيئا ندم ألا يكون قد أحسن، وإن كان محسنا ندم ألا يكون قد ازداد إحسانا.
ومع مراعاة أن كل المشيعين ربما لا يكونون متطهرين للصلاة، وفى التطهر بعض المشقة أو تأخير لدفن الجثة، فإن المتطهر ينبغى أن يشارك فى الصلاة، فقد روى الجماعة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
"من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان، أصغرهما - أو أحدهما - مثل أحد" وروى مسلم عن خبَّاب رضى الله عنه قال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة - وذكر الحديث - فأرسل ابن عمر رضى الله عنهما خبابا إلى عائشة رضى الله عنها يسألها عن قول أبى هريرة، ثم يرجع فيخبره ما قالت: فقال:
قالت عائشة: صدق أبو هريرة، فقال ابن عمر رضى الله عنهما: لقد فرطنا فى قراريط كثيرة. هذا فيما يعود من الثواب على المصلى، أما المصلَّى عليه وهو الميت فإنه يستفيد من كثره المصلين عليه، لأن المهم فيها هو الدعاء له بعد التكبيرة الثالثة، وذلك إذا استجاب الله الدعاء، وكلما كان عدد الداعين فى الصلاة كبيرا كانت فرص الاستجابة أكثر، وفى هذا جاءت الأحاديث التى منها ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وحسنه والحاكم وصححه عن مالك بن هبيرة"ما من مؤمن يموت فيصلِّى عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له " فكان مالك بن هُبيرة يتحرى إذا قلَّ أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف.
وأخذ بظاهر الحديث أحمد بن حنبل وقال: أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف، قالوا: فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم؟ قال:
يجعلهم صفين، فى كل صف رجلين، وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون فى كل صف رجل واحد.
وما رواه مسلم وأحمد والترمذى عن عائشة رضى الله عنها "ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفَعوا" وما رواه مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عباس رضى الله عنهما"ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفَّعهم الله فيه " أى قبل الله دعاءهم وشفاعتهم.
هذا، وكثرة المصلين على الجنازة يدفع إليها حب الميت أو تكريمه ومحاولة عمل شىء ينفعه، والغالب أن ذلك لا يكون إلا من استقامته وحسن معاملته للناس. فهم يترحمون عليه ويذكرونه بالخير، وذلك إمارة على حب الله له، والحديث يشهد لذلك، فقد مرت جنازة أمام النبى صلى الله عليه وسلم فأثنى الصحابة عليها خيرا، فقال "وجبت " ثم مرت جنازة أخرى فتحدثوا عنها شرا، فقال "وجبت " ولما سألوه عن الإجابتين المتحدثين مع اختلاف حديثهم عن الجنازتين قال "من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض " رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه، وحدث مثل ذلك لعمر رضى الله عنه. حين مرت عليه ثلاث جنازات واختلف الناس فى الكلام عليها فقال كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الجنة"قال: فقلنا وثلاثة، فقال "وثلاثة" فقلنا: واثنان قال "واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد. رواه البخارى. وروى أبو يعلى وابن حبان فى صحيحه عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين انهم لا يعلمون إلا خيرا، إلا قال الله: قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون ".
كل هذا يؤكد قيمة ثناء الصالحين على الميت، ويدعو إلى كثرة المصلين على الجنازة