F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله سبحانه {إن الله وملائكته يصلون على النبى، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب: 56، فهل يجوز أن نصلى ونسلم على غير النبى محمد صلى الله عليه وسلم؟
صلى الله عليه وسلمn جاء فى كتاب " الأذكار " للنووى " ص 120 " أن إجماع من يعتدُّ به على جواز الصلاة واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالا - أى يقال مثلا: موسى عليه الصلاة والسلام، جبريل عليه الصلاة والسلام - وأما غير الأنبياء فالجمهور أنه لا يصلى عليهم ابتداء، فلا يقال: أبو بكر صلى الله عليه وسلم.
واختلف فى هذا المنع، فقال بعض أصحابنا - الشافعية - هو حرام، وقال أكثرهم: مكروه كراهة تنزيه - أى لا عقوبة فيه - وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأولى وليس مكروها، والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهى مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة فى لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا "عَزَّ وجل " مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزا جليلا، لا يقال: أبو بكر أو على صلى الله عليه، وإن كان معناه صحيحا.
واتفقوا على جعل غير الأنبياء تبَعًا لهم فى الصلاة، فيقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة فى ذلك، وقد أمرنا به فى التشهد ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة.
وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجوينى من أصحابنا: هو فى معنى الصلاة فلا يستعمل فى الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: على عليه السلام، وسواء فى هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه. انتهى كلام النووى.
وجاء فى " غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 21 " اختلف العلماء فى الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هل تجوز استقلالا أو لا، فقال ابن القيم فى " جلاء الأفهام " هذه المسألة على نوعين، أحدهما أن يقال: اللهم صلى على آل محمد، هذا يجوز، ويكون صلى الله عليه وسلم داخلا فى اله، فالإفراد عنه وقع فى اللفظ لا فى المعنى. والثانى أن يفرد واحدا بالذكر، كقوله: اللهم صلى على علىٍّ أو حسن أو أبى بكر أو غيرهم من الصحابة ومن بعدهم، فكره ذلك مالك، قال: لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبى حنيفة وسفيان بن عيينة وسفيان الثورى، وبه قال طاووس. وقال ابن عباس رضى الله عنهما: لا تنبغى الصلاة إلا على النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز. روى ابن أبى شيبة عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن من القصَّاص قد أحدثوا فى الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبى صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء كتابى فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة.
وهذا مذهب أصحاب الشافعى ولهم ثلاثة أوجه، أنه منع تحريم أو كراهة تنزيه أو من باب ترك الأولى وليس بمكروه، حكاها النووى فى الأذكار.
ثم قال: وقالت طائفة من العلماء: تجوز الصلاة على غير النبى استقلالا، قال القاضى أبو حسين الفرَّا من أئمة أصحابنا - فى رؤوس مسائله -:
وبذلك قال الحسن البصرى ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وكثير من أهل التفسير، وهو قول الإمام أحمد رضى الله عنه، مض عليه فى رواية أبى داود، وقد سئل أينبغى أن يصلى على أحد إلا على النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال: أليس قال على لعمر: صلى الله عليك؟ قال القاضى: وبه قال إسحاق بن راهويه وأبو ثور ومحمد بن جرير الطبرى، واحتج هؤلاء بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم على جماعة من أصحابه ممن كان يأتيه بالصدقة، واختار ابن القيم الجواز ما لم يتخذه شعارم أو يخص به واحدا إذا ذكَر دون غيره ولو كان أفضل منه، كفعل الرافضة مع على دون غيره من الصحابة فيكره، ولو قيل حينئذ بالتحريم لكان له وجه، هذا ملخص كلامه.
ثم تحدث السفارينى عن السلام هل هو كالصلاة خلافا ومذهبا أو ليس إلا الإباحة فيجوز أن يقول: السلام على فلان، وفلان عليه السلام؟ أما مذهبنا - الحنبلى- فقد علمت جوازه من جواز الصلاة على غير النبى صلى الله عليه وسلم استقلالا بالأولى، وأما الشافعية فكرهه منهم أبو محمد الجوينى، فمنع أن يقال: فلان عليه السلام، وفرق آخرون بينه وبين الصلاة فقالوا: السلام يشرع فى حق كل مؤمن حى وميت حاضر وغائب، فإنك تقول: بلغ فلانا منى السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول المصلى: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ثم ذكر السفارينى أن الصلاة على غير النبى صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والمرسلين والملائكة جائزة بطريق التبعية