F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الجنة التى كان بها سيدنا آدم، هل هى جنة الخلد أو جنة أخرى؟
صلى الله عليه وسلمn هناك خلاف بين العلماء فى الجنة التى أسكن الله آدم فيها، وأخرجه وأخرج إبليس منها، هل هى الجنة التى أعدها الله ثوابا للمؤمنين بعد البعث والحساب، أو هى جنة فى الدنيا أى بستان من البساتين؟ جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 1 ص 61 " وفى تفسير القرطبى "ج 1 ص 302" أن جمهور الأشاعره قال:
هى جنة الخلد، بل حكى إجماع أهل السنة عليه، لأن اللام فى قوله تعالى {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} الأعراف: 19 هى لام العهد، ولا معهود ولا معروف إذ ذاك غيرها، ولقوله تعالى فى وصفها {إنَّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحَى} طه: 118،119 وذلك صفة جنة الخلد، ولقوله تعالى: {اهبطوا} والهبوط يكون من علو إلى أسفل، ولا يستقيم ذلك فى بستان مخلوق على الأرض، ولأن موسى لما لقى آدم عليهما السلام، وقال له: "أنت أتعبت ذريتك وأخرجتهم من الجنة، لم ينكر ذلك آدم، وإنما قال: أتلومنى على أمر قدره الله عليَّ قبل أن أخلق " الحديث صحيح، ولو كانت غيرها لرد على موسى.
وقيل: هى غير جنة الخلد، حكاه منذر بن سعيد، زاعما كثرة الأدلة عليه، وحكاه الماوردى وابن عقيل والقرطبى والرمانى وغيرهم.
واختلف القائلون به، فقال بعضهم: هى بستان بأرض عدن، كما فى القرطبى، أو بأرض فلسطين، أو بين فارس وكرمان كما فى البيضاوى.
وقال الرازى وابن عقيل: ويحمل هؤلاء الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة، كما فى قوله تعالى {اهبطوا مصرا} البقرة: 61.
وقيل: هى جنة أخرى كانت فى السماء السابعة، وهو قول أبى هاشم ورواية عن الجبَّائى. قال ابن عقيل: وهى دعوى بلا دليل، فلم يثبت أن فى السماء غير بساتين جنة الخلد. وقال هؤلاء: إن جنة الدنيا جعلها الله دار ابتلاء لآدم وحواء، لأن جنة الخلد إنما يُدخَل إليها يوم القيامة، وهذه دخلت قبله، ولأن جنة الخلد دار ثواب وجزاء وليست دار تكليف وأمر ونهى، ودار سلامة من الآفات والخوف وليست دار ابتلاء ومحن، ودار قرار لقوله تعالى {وما هم منها نمخرجين} الحجر: 48 وليست دار انتقال، وآدم وحواء وإبليس انتقلوا منها.
وأجاب القائلون بأنها جنة الخلد بأن الدخول العارض غير الدائم قد يقع قبل يوم القيامة، بدليل أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة الإسراء ثم خرج منها، وأخبر بما فيها وأنها جنة الخلد حقا، وبأن ما ذكره أهل الرأى الثانى من أن الجنة لا يوجد فيهما وجده آدم من الحزن والنصب والتعب بانكشاف عورته ومحاولة تغطيتها بورق الجنة إنما هو إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها فإنَّ نفى ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها.
يقول الزرقانى: ليس الرأيان متساويين، فقد قال القرطبى: هى جنة الخلد ولا التفات إلى ما ذهب إليه المعتزلة والقدرية من أنها جنة دنيوية فى عدن، وذكر أدلتهم وردها بما يطول.
ورجح الرمانى فى تفسيره أنها جنة الخلد أيضا، وقال: هو قول الحسن وعمر وواصل. وعليه أهل التفسير.
هذه صورة من الخلاف حول الجنة التى سكنها آدم وخرج منها، وهو أمر لا يجب علينا اعتقاده، والذى يهمنا هو العمل الصالح حتى نعود إلى الله ويمتعنا بجنة النعيم