F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ذكر فى القرآن أن الله فضل مريم على نساء العالمين، وفضل بنى إسرائيل كذلك على العالمين. فأين بنات النبى وزوجاته، وأين الأمة الإسلامية؟
صلى الله عليه وسلمn قال الله تعالى {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} آل عمران: 42 وقال {يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين} البقرة: 47 1- قال القرطبى فى تفسيره "ج 4 ص 83" فى اصطفاء مريم: إن الاصطفاء هو على عالمى زمانها، كما قاله الحسن وابن جريج وقيل:
إن الاصطفاء هو على نساء العالمين أجمع إلى يوم الصور، وهو قول الزجاج، وهو الصحيح، وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " ومعنى الكمال التناهى والتمام، والكمال المطلق لله خاصة، وأكمل نوع الإنسان الأنبياء ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين، وإذا تقرر هذا فقد قيل: إن الكمال المذكور فى الحديث يعنى به النبوة، فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيتين، وقد قيل بذلك، والصحيح أن مريم نبية، لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين. ولم يرد ما يدل على نبوة آسية دلالة واضحة.
ثم ذكر القرطبى أحاديث صحيحة منها "خير نساء العالمين أربع:
مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" ومنها "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" ومنها "سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخديجة" وأقول الخيرية أو الأفضلية بالنسبة إلى نساء العالمين تلتقى مع ذلك بالنسبة إلى نساء أهل الجنة، وعطف الأسماء بالواو لمطلق الجمع لا يقتضى ترتيبا كما تفيده الفاء أو ثم، لكن القرطبى رتبهن وجعل أفضلهن مريم للتعبير فى الرواية الأخيرة بلفظ "بعد مريم " والباقى منهن ليس فيه ما ينص على الترتيب بينهن لكنه رتبهن فقال ما نصه: فظاهر القرآن والأحاديث يقتضى أن مريم أفضل من جميع نساء العالم، من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، فإن الملائكة قد بلغتها الوحى عن الله عز وجل بالتكليف والإخبار والبشارة كما بلغت سائر الأنبياء، فهى إذًا نبية، والنبى أفضل من الولى، فهى أفضل كل النساء الأولين والآخرين مطلقا، ثم بعدها فى الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسية، وكذلك رواه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة، ثم آسية" وهذا حديث حسن يرفع الإشكال. وقد خص الله مريم بما لم يؤته أحدا من النساء، وذلك أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ فى درعها ودنا منها للنفخة فليس هذا لأحد من النساء، وصدَّقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بُشرت كما سأل زكريا صلى الله عليه وسلم عن الآية، ولذلك سماها الله فى تنزيله صديقة فقال {وأمه صديقة} المائدة:75 وقال {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} التحريم: 12 إلى أن قال: ومن لامرأة فى جميع نساء العالمين من بنات آدم ما لها من هذه المناقب، ولذلك روى أنها سبقت السابقين مع الرسل إلى الجنة، جاء فى الخبر عنه صلى الله عليه وسلم "لو أقسمت لبررت، لا يدخل الجنة قبل سابقى أمتى إلا بضعة عشر رجلا، منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومريم ابنة عمران ".
ثم ذكر أن من قال من العلماء بأنها لم تكن نبية قال: إن رؤيتها للملك كما رؤى جبريل عليه السلام فى صفة دحية الكلبى حين سؤاله عن الإسلام والإيمان، ولم تكن الصحابة بذلك أنبياء والأول أظهر، وعليه الأكثر.
هذا ما ذكره القرطبى وأقول: إن كان لبعض الرجال أو النساء فضل، فذلك فضل من الله، ولا ينالنا منه إلا الحث على السير على منهجهم، ولا داعى للبحث فيمن هو أفضل من غيره، فلا يفيدنا ذلك -كما يقول العلماء- إلا فى الأيمان والتعاليق، كمن يحلف أن فلانا أفضل من فلان، أو إن كان فلان أفضل من فلان فعلت كذا.
2- وأما تفضيل بنى إسرائيل على العالمين فقد قال فيه القرطبى "ج 3 ص 376": يريد على عالمى زمانهم، وأهل كل زمان عالم، وقيل: على كل العالمين: بما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم. انتهى.
وفى تفسير ابن كثير للآية رقم 47 من سورة البقرة أن الأمة الإسلامية أفضل من أمة بنى إسرائيل لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم} وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله " والأحاديث في هذا كثيرة. وأوردها عند تفسير الآية "كنتم خير أمة أخرجت للناس " وقال: إن الحديث المذكور رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وهو حديث مشهور حسنه الترمذي.
وقوله: بما جعل فيهم من الأنبياء يشير إليه قوله تعالى {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين} المائدة: 25 وقوله {ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} الجاثية: 16 فقوله {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} الدخان: 32.
وإذا كان الله فضلهم على السابقين وأنعم عليهم بهذه النعم فإنهم لم يشكروها، حيث تمردوا على موسى وعبدوا العجل والطاغوت وقتلوا الأنبياء بغير حق، وعصوا الأنبياء الذين أرسلوا إليهم واعتدوا عليهم وعلى غيرهم، فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة أينما وجدوا، وبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، ومسخ بعضهم قردة وخنازير، وفى كل ذلك جاءت آيات القرآن الكريم، وقال تعالى فيهم {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} الإسراء: 7 وقال {وإن عدتم عدنا} الإسراء: 8 ذلك قانون الله الذى يرتب الجزاء على العمل، يبطل زعم القائلين بأنهم أبناء الله وأحباؤه، فهم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} فصلت: 46.
وذلك القانون سار علي جميع خلقه من يوم أن خلق آدم إلى يوم الساعة يطبق على كل الأنبياء والرسل، وعلى كل أمة من الأمم، بما فيهم أفضلهم وهو سيدنا محمد، وأفضل الأمم وهى أمته التى جعلها الله خير أمة أخرجت للناس {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات: 13 {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} طه: 123-124