F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تبارك وتعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، مما يدل على أن الشمس تتحرك وليست ثابتة، ويقول بعض العلماء أن الشمس ثابتة والأرض هى التى تدور حول نفسها مرة فى اليوم، وحول الشمس مرة كل سنة فما مدى صحة كلامها؟
صلى الله عليه وسلمn الظاهر من كلمة (تجرى) التحرك والانتقال من مكان إلى آخر. كما أن الظاهر من كلمة (تدور) اللف حول شىء معين، وهذا الشىء المعين قد يكون هو المحور مع عدم الانتقال منه، وقد يكون فيه انتقال من مكان إلى آخر مع الالتزام بمركز يحدث حوله هذا الانتقال.
وكلمة (الفلك) معناها المسار أو المدار الذى يتحرك فيه الشىء، وقد يكون التحرك فى خط مستقيم أو خط دائرى يكون محيطا له مركز قال تعالى {وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون} الأنبياء: 33، والظاهر أن كلمة (كل) تعنى مجموع الليل والنهار والشمس والقمر بدليل الجمع فى قوله (يسبحون) فكيف نتصور الفلك الذى يسبح فيه الليل والنهار؟ إن معرفتنا لا تزال محدودة، وكلما اكتشف علماء اليوم جديدا عرفوا أنهم كانوا يجهلون كثيرا، وألفاظ اللغة العربية فيها من المرونة والصلاحية ما لا يستطيع الإنسان معه أن يجزم بمعنى ينطبق على شىء نجهل من حقيقته كثيرا.
إن "المستقر" الذى تجرى له الشمس فى قوله تعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، هل المراد به المحور الذى تدور حوله الشمس كما تدور الأرض حول محورها، أو المراد به المدار والمسار الذى تلتزمه وهى تتحرك من مكان إلى آخر، وإلى أين هذا التحرك، هل هو محيط أو فى خط مستقيم. كل ذلك قال به المفسرون والعلماء.
دون جزم بأحد هذه المعانى. وقد يقال: إن المستقر هو نهاية الحركة والجرى فالشمس سيأتى عليها وقت تقف فيه عن الجرى وهو يوم القيامة، فاللام فى (لمستقر) بمعنى "إلى" التى تفيد الغاية. . . قال تعالى {لا الشمس ينبغى لها أن تدرك. القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون} يس: 40، وهذا يدل على أن لكل من الشمس والقمر سَبحا وجريانا فى مدار ومسار وانتقال من مكان إلى مكان: ثم قال بعد ذلك: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فالظاهر أنها تلتزم مسارها وهو الفلك بحيث لا نتجاوزه إلى مسار آخر حتى لا تصطدم بالكوكب أو النجم الذى يجرى فى هذا المسار، وحتى لا تدرك القمر إن جرت فى مداره، فالكل يتحرك بنظام ثابت دقيق.
وقد يراد أن الشمس على الرغم من كبر حجمها والجد فى جريانها بحيث لا تدرك القمر سيأتى عليها وقت تكف فيه عن الحركة بأمر الله الذى يقع كل شىء تحت سلطانه وقهره.
هذا تفسير بالمعقول، أما التفسير بالمنقول فقد جاء فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فقال: "مستقرها تحت العرش " وفى رواية لمسلم عن أبى ذر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون أين تذهب هذه الشمس "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "إن هذه الشمس تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجرى لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهى إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها:
ارتفعى أصبحى طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون متى ذلكم "؟ "ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا " وجاءت هذه الرواية فى صحيح البخارى عن أبى ذر أيضا بما يفيد أن مستقر الشمس كل يوم هو تحت العرش حيث تسجد وتستأذن ربها بالجرى فيأذن لها حتى يكون آخر إذن بها بالشروق من المغرب.
إن الإنسان لا يستطيع بسهولة أن يفهم معنى الاستقرار تحت العرش، فالشمس دائما فى حركة إن غابت عن بعض أجزاء الأرض فهى ظاهرة للبعض الآخر، ولم يشاهد أحد من الدنيا أنها توقفت عن الحركة. . . أو لا يجوز أن نفسر استقرارها تحت العرش، بأنها فى كل أوقاتها خاضعة لأمر الله، لا تتحرك إلا بإذنه، وتستمر حركتها إلى أن تستقر نهائيا فى آخر الدنيا؟