F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} القصص: 56 ذكرت الهداية ثلاث مرات فى هذه الآية، فهل معناها واحد أم مختلف؟
صلى الله عليه وسلمn جاء فى القاموس: يقال: هداه هُدًى وهدْيًا وهِدَاية وهِدْية - بكسرهما - أرشده فتهدَّى واهتدى. وهداه الله الطريق دَلَّه، والهُدَى بضم الهاء وفتح الدال -الرشاد.
قال ابن القيم فى كتابه "بدائع الفوائد ": الهداية أربعة أنواع:
أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق، المذكورة فى قوله تعالى {الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى} طه: 50 أى أعطى كل شىء صورته التى لا يشتبه فيها بغيره، وأعطى كل عضو شكله وهيئته، وأعطى كل موجود خلقه المختص به، ثم هداه ما خلقه له من الأعمال، قال: وللجماد أيضا هداية تليق به، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها، وكذلك لكل عضو هداية تليق به، فهدى الرجلين للمشى، واللسان للكلام، والعين لكشف المرئيات وهلمَّ جرا، وكذا هدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد، والولد إلى التقام الثدى عند وضعه، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو.
الثانى: هداية البيان والدلالة والتعريف لِنَجْدَى الخير والشر وطريقى النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا ينتفى الهدى معها، كقوله تعالى {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} فصلت: 17 أى بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله تعالى {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52.
الثالث: هداية التوفيق والإلهام، وهى الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا تتخلف عنها، وهى المذكورة فى قوله تعالى {يضل من يشاء ويهدى من يشاء} المدثر: 31 وفى قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل} النحل: 37 وفى قوله صلى الله عليه وسلم: " من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وفى قوله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 56 فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان فى قوله تعالى: {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52.
الرابع: غاية هذه الهداية، وهى الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما، قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم} يونس: 9 وقال أهل الجنة فيها {الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله} الأعراف: 43 وقال فى حق أهل النار: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الصافات: 22، 23 انتهى ما قاله ابن القيم.
والبيضاوى ذكر أن الهداية دلالة بلطف، ولذلك تستعمل فى الخير، وقوله {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} على التهكم. ثم قال: وهداية الله تتنوع أنواعا لا يحصيها عدٌّ، لكنها تنحصر فى أجناس مترتبة.
الأول: إفاضة القوى التى بها يتمكن المؤمن من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة. والثانى: نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد، وإليه أشار حيث قال {وهديناه النجدين} البلد: 10 وقال {فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} .
والثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإياها عنى بقوله: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} الأنبياء: 7 وقوله {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} الإسراء: 9.
والرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هى بالوحى أو الإلهام والمنامات الصادقة، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء، وإياه عنى بقوله {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} الأنعام: 90 وقوله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت: 69