F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى التهلكة الواردة فى قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ؟
صلى الله عليه وسلمn هذا جزء من الآية {وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} البقرة:195 جاءت هذه الآية بعد آيات تتحدث عن الجهاد فى سبيل الله، وفيها أمور ثلاثة، أولها الأمر بالإنفاق فى سبيل الله، وثانيها النهى عن الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة، وثالثها الأمر بالإحسان، أما الإنفاق فى سبيل الله فمعناه واضح وإن كان سبيل الله واسع الميدان فمن أهمه الجهاد وكذلك الإحسان واضح المعنى فهو يلتقى مع الإنفاق فى سبيل الله فى أكثر مظاهره وإن كان من معانيه الإجادة والإتقان والإخلاص فى أى عمل. على ما جاء فى الحديث "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
وأما الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة ففى تفسيره عدة أقوال: لا تتركوا النفقة ولا تخرجوا إلى الجهاد بغير زاد ولا تتركوا الجهاد، ولا تدخلوا على العدو الذى لا طاقة لكم به ولا تيأسوا من المغفرة وقد قال الطبرى: هو عام فى جميعها، كما ذكره ابن العربى فى أحكام القرآن.
ومن الوارد فى ذلك ما رواه البخارى عن حذيفة أن الآية نزلت فى النفقة وكذلك قال ابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس كما ذكره القرطبى، وقال المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة، فى سبيل الله وتخافوا العيلة فيقول الرجل: ليس عندى ما أنفقه وذكر القرطبى خمسة أقوال فى تفسير هذه الآية. وقال: روى الترمذى عن يزيد بن أبى حبيب عن أسلم أبى عمران أنهم فى غزو القسطنطينية حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس: إنه يلقى بيديه إلى التهلكة، فصحح لهم أبو أيوب الأنصارى معنى الآية بأنها نزلت فى الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه قالوا: هلمَّ نقيم فى أموالنا ونصلحها لأنها ضاعت فالتهلكة هى الإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الغزو.
ثم تحدث القرطبى عن حكم اقتحام الرجل فى الحرب وحمله على العدو وحده. وقال: إن بعض العلماء المالكية أجازوا أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة، وقيل: إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل، لأن مقصوده واحد منهم كما قال تعالى: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله} وقال ابن خويز منداد: فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان: إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه وينجو هو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكى نكاية أو سيبلى أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا، وقد بلغنى أن عسكر المسلمين لما لقى الفُرسْ نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنَّس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذى كان يقدمها فقيل له: إنه قاتلك، فقال لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين، وفعل البراء بن مالك حيلة فى حرب بنى حنيفة حتى دخل حصنهم وفتح الباب فدخل المسلمون.
وذكر القرطبى ما رواه مسلم فى دفاع رجل من الأنصار عن النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقاتل العدو حتى قتل، وفعل مثله العدد القليل الذين أحاطوا بالرسول، وهذا دليل على أن المخاطرة التى فيها منفعة للمسلمين لا بأس بها ولا تعد من الإلقاء باليد إلى التهلكة، كما ذكر القرطبى عن محمد بن الحسن أن المخاطرة بالنفس إذا كان فيها طمع فى النجاة أو النكاية فى العدو لا بأس بها، وإلا كانت مكروهة لأنه عرض نفسه للتلف فى غير منفعة للمسلمين إلا إذا قصد تشجيع المسلمين حتى يصنعوا مثله فلا بأس بها لأن فيها منفعة لهم على بعض الوجوه. ثم تطرق القرطبى من حكم المخاطرة فى الجهاد إلى المخاطرة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال: إنه متى رجا نفعا فى الدين فبذل نفسه حتى قتل كان فى أعلى درجات الشهداء قال تعالى {وأْمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} لقمان: 17 وفى حديث النسائى وابن ماجه بسند صحيح "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وجاء مثل ذلك فى أحكام القرآن لابن العربى