F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الفرق بين التوكل والتواكل؟
صلى الله عليه وسلمn حقيقة التوكل من الصعب تعريفها كما تُعرَّف الأمور الأخرى بماهياتها، وإنما يعرف التوكل بآثاره. كما قال العلماء فى التيار الكهربائى، وقد قال الإمام الغزالى - وهو الفيلسوف الصوفى الفقيه الأصولى فى حديث التوكل: إنه غامض من حيث العلم. ثم هو شاهد من حيث العمل، ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك فى التوحيد، والتثاقل عنها بالكلية طعن فى السنة وقدح فى الشرع، والاعتماد على الأسباب من غير أن ترى أسباب تغيير فى وجه العقل وانغماس فى غمرة الجهل، وتحقيق معنى التوكل على وجه يتوافق مع مقتضى التوحيد والنقل والشرع فى غاية الغموض والعسر، ولا يقوى على كشف هذا الغطاء مع شدة الخفاء إلا سماسرة العلماء.
وقد أطال الغزالى فى توضيح ذلك، ولكن بعبارة بسيطة يمكن أن أقول: إن التوكل هو الإيمان بأن الله سبحانه هو الواحد المتفرد بالخلق، ومنه كل النعم، وإليه المرجع والمصير، مع إظهار مسحة هذا الإيمان على السلوك فى القول والعمل، وامتثال أمر الله والسير على منهجه الذى أوحى به إلى الرسل.
ولو طبقنا هذا المعنى فى طلب الرزق مثلا فلابد فى التوكل من الإيمان بأن السعى والجد فى العمل وحده لا يمكن أن يوصل إلى النتيجة إلا بإرادة الله سبحانه، فقد يكون هناك سعى وجد وعمل ولا يكون من وراء ذلك تحقيق ما يريده الإنسان، فلا بد من الأمرين:
الأخذ فى الأسباب ثم تفويض الأمر إلى الله سبحانه وانفراد واحد منهما عن الأخر خطأ. فالأخذ بالأسباب دون التفويض لله يناقض الإيمان، وربما لا يوصل إلى المطلوب، والتفويض لله فقط دون الأخذ بالأسباب تعطيل لقانون الله وعدم امتثال لأمره بالسعى والعمل، وهذا ما يعرف بالتواكل.
وعلى ضوء ذلك من يقتصر على الإيمان بقوله تعالى {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها} هود: 6، دون تنفيذ لقوله تعالى {هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} الملك:15، يكون مخطئا ويطلق عليه اسم المتواكل، يوضح ذلك ما حدث أن رجلا ترك ناقته على باب المسجد النبوى وقال للرسول صلى الله عليه وسلم هل أتركها بدون عقل -قيد- وأتوكل على الله ليحفظها أو أعقلها - أقيدها بالعقال؟ فقال له "قيدها وتوكل " رواه ابن خزيمة والطبرانى بإسناد جيد.
وقد يوضح هذا أيضا قول النبى صلى الله عليه وسلم " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " رواه الترمذى وقال: حسن صحيح فالطير تبارح الأعشاش لتطلب رزقها ولا تنتظر وتفتح أفواهها لينزل لها الرزق من السماء وهى راقدة فى الأغشاش.
يقول أبو الفتوح الرازى الواعظ المفسر الفارسى المولود بالرى فى أواخر القرن الخامس الهجرى:
توكل على الرحمن فى كل حاجة * ولا تتركن الجد فى شدة الطلب ألم تر أن الله قال لمريم * وهزى إليك الجذع يسَّاقط الرطب ولو شاء أن تجنيه من غير هزه * جنته ولكن كل شىء له سبب [مجلة الإخاء العدد 193 فى إبريل 1971 م بقلم محمد على رزم آشين] والموضوع طويل يراجع فى "إحياء علوم الدين " للأمام الغزالى ج 4 ص 210