F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى المناسبة بين خلق الإِنسان من علق والتعليم بالقلم فى قوله تعالى: {خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم.الذى علَّم بالقلم} ؟
صلى الله عليه وسلمn سورة {اقرأ باسم ربك} هى أول ما نزل من القرآن الكريم كما ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها، ووجه المناسبة بين الخلق من علق والتعليم بالقلم وتعليم العلم أن أدنى مراتب خلق الإِنسان كونه علقة، وأعلاها كونه عالما، فهو سبحانه امتن على الإِنسان بنقله من أدنى المراتب وهى العلقة إلى أعلاها وهى العلم، قال الزمخشرى: فإن قلت: لم قال " من علق " وإنما خلق من علقة واحدة كقوله تعالى {من نطفة ثم من علقة} قلت: لأن الإِنسان فى معنى الجمع كقوله تعالى {إن الإِنسان لفى خسر} أى الناس والأكرم هو الذى له الكمال فى زيادة تكرمه على كل كريم، ينعم على عباده النعم التى لا تحصى، ويحلم عليهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهى وإطراحهم الأوامر، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقترافهم العظام، فما لكرمه غاية ولا أمد، وكأنه ليس وراء التكريم بإفادة الفوائد العظيمة تكرُّم، حيث قال {الأكرم الذى علَّم بالقلم علم الإِنسان ما لم يعلم} فدل على كمال كرمه بأنه علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم. ونبه على فضل الكتابة لما فيها من المنافع العظيمة التى لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم الأول، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزَّلة إلا بالكتابة، ولولا هى ما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به.
ويتصل بهذا سؤال عن العلقة السوداء التى أخرجت من قلب النبى صلى الله عليه وسلم فى صغره حين شق فؤاده، وعن قول الملك:
هذا حظ الشيطان منك، وقد أجاب الشيخ تقى الدين السبكى بقوله: تلك العلقة التى خلقها الله تعالى فى قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت من قلبه عليه الصلاة والسلام، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقى الشيطان فيه شيئا. هذا معنى الحديث، ولم يكن للشيطان فيه صلى الله عليه وسلم حظ قط، وإنما الذى نفاه الملك أمر هو فى الجبلات البشرية، فأزيل القابل الذى لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف فى قلبه عليه الصلاة والسلام.
فقيل له: لمَ خلق الله هذا القابل فى هذه الذات الشريفة وكان يمكنه ألا يخلقه فيها؟ فقال: لأنه من جملة الأجزاء الإِنسانية، فخلقه تكملة للخلق الإِنسانى فلا بد منه، ونزعه كرامة ربانية طرأت بعده. انتهى "الدميرى - العلق - حياة الحيوان الكبرى"