F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقال إن الشمس عند الغروب تسجد تحت العرش،فهل هذا صحيح؟
صلى الله عليه وسلمn قال تعالى {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما} الكهف: 86، المعروف أن الأرض كروية، ولها دورتان، دورة حول نفسها ينتج عنها الليل والنهار ودورة حول الشمس ينتج عنها الفصول الأربعة، والشمس هى أيضا لها دوران حول نفسها، على ما يفيده قوله تعالى {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فى أحد التفاسير، وكانت هذه الحقيقة مجهولة إلى وقت قريب، سبق بها القرآن المنزل من عند اللَّه.
ومشرق الشمس ومغربها هو فى حقيقته ظهور جزء من الأرض فى مقابلها واختفاؤه عنها، فحركه الشروق والغروب حركة ظاهرية فى رأى العين للشمس، وهى فى الحقيقة لنا، وعندما تغيب الشمس عنا أو نغيب عنها يراها الناظر إليها وهو على شاطئ البحر أو المحيط أنها تغوص فى الماء كأن عينا ابتلعتها أو سقطت هى فيها.
ووصف العين فى الآية بأنها حمئة، قال بعض المفسرين: إنها ذات حمأة وطين، وفى قراءة ... حامية أى حارة ساخنة، وذلك كله تخيل وتصور للناظر يعطيه لون الماء فى زرقته التى تميل،من بعد إلى السواد، أو توهج الشمس عن طريق تفرق أشعتها عند الغروب كأن نارا توقد فى هذا الماء، فالتصوير كله بحسب ما يراه الناظر بصرف النظر عن الحقيقة.
ذلك ما يعطيه لنا العلم الحديث، الذى يقول إن نصف الكرة الأرضية يكون نهارا حين يقابل الشمس، والنصف المقابل يكون ليلا حين تغيب عنه.
لكن ورد فى البخارى حديث عن أبى ذر يقول فيه: كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد عند غروب الشمس، فقال " يا أبا ذر تدرى أين تغرب الشمس "؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش "، فذلك قوله تعالى {والشمس تجرى لمستقر لها} .
وأخرجه النسائى بلفظ فإنها تذهب حتى تنتهى تحت العرش عند ربها ثم تستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها، وتطلب، فإذا كان ذلك قيل لها: اطلعى من مكانك، فذلك قول اللَّه {والشمس تجرى لمستقر لها} .
فكيف يستقيم الإخبار عن سجودها تحت العرش عند مغيبها، ومع قول القرآن إنها تغرب فى عين حمئة؟ ولم يفت شراح الحديث القدامى هذا السؤال، فقد قال الحافظ ابن حجر فى شرح البخارى " فتح البارى " لا تخالف بين الحديث والقرآن، فإن المراد بالآية نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب.
وقال الخطابى: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر استقرارا لا نحيط به نحن، وليس فى سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعوقها عن دورانها فى سيرها، وهناك أقوال أخرى لا يوجد لها سند صحيح.
وقال بعض العلماء: إن المراد بسجودها تحت العرش خضوعها لله وانقيادها للنظام الذى وضعه لها.
وهذا أمر يجرى على كل كائن فى الوجود مهما تصور الإنسان عظمته وفتن بقوته وأثره، فهو تحت حكم الله يتصرف فيه كيف يشاء، وكل حركة فى الكون فهى بأمره سبحانه.
وعند نهاية العالم سيغير اللَّه نظام الكون المشاهد لنا، فتشرق الشمس من حيث غربت. والله على كل شىء قدير.
وبهذا لا يوجد تعارض بين مقررات العلم وبين القرآن والحديث، فالكل من اللَّه سبحانه واللَّه حكيم خبير