F عبد المجيد سليم.
ذى الحجة 1333 هجرية - 28 أكتوبر 1915 م
M 1 - لا يعلم الغيب بجميع أنواعه بالذات علما حقيقيا إلا الله سبحانه وتعالى لا فرق بين الخمس الواردة فى آية {إن الله عنده علم الساعة} الآية وغيرها.
2 - علم غير الله ليس فى حقيقته علما بالغيب بالذات، وإنما هو علم حادث بتعليم الله تعالى.
3 - لا مانع من أن يطلع الله سبحانه من شاء على ما شاء من الغيب ولا يعد ذلك علما بالغيب
Q من الشيخ على على بما صورته فى مسألة أشكلت على أهل الناحية بلدنا (تزمنت الزوايا مركز ومديرية بنى سويف) وهى هل يجوز لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يطلعه الله على الساعة، وعلى الجواز هل ورد ما يثبت ذلك أفيدوا بالجواب ولفضيلتكم الثواب
صلى الله عليه وسلمn اطلعنا على هذا السؤال الموضح أعلاه.
ونفيد أنه فى تفسير الآلوسى بصحيفتى 495، 496 فى آخر سورة لقمان عند قوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} الآية ما نصه وكون المراد اختصاص علم هذه الخمس به عز وجل هو الذى تدل عليه الأحاديث والآثار، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة رضى الله عنه.
من حديث طويل أنه صلى الله عليه وسلم سئل متى الساعة فقال للسائل ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها.
إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم فى النبيان فى خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى.
ثم تلا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} الآية أى إلى آخر السورة كما فى بعض الروايات وما وقع عند البخارى فى التفسير من قوله إلى الأرحام تقصير من بعض الرواة.
وأخرجا أيضا هما وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة الآية.
وظاهر هذه الأخبار يقتضى أن ماعدا هذه الخمس من المغيبات قد يعلمه غيره عز وجل وإليه ذهب من ذهب.
أخرج حميدين زنجوية عن بعض الصحابة رضى الله تعالى عنهم أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل الظهور فأنكر عليه، فقال إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية، وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم وفى بعض الأخبار ما يدل على أن علم هذه الخمس لم يؤت للنبى صلى الله عليه وسلم، ويلزمه أنه لم يؤت لغيره عليه الصلاة والسلام من باب أولى أخرج أحمد والطبرانى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال أوتيت مفاتيح كل شى إلا الخمس إن الله عنده علم الساعة الآية وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال أوتى نبيكم صلى الله تعالى عليه وسلم مفاتيح كل شىء غير الخمس إن الله عنده علم الساعة الآية.
وأخرج ابن مردويه عن على كرم الله وجهه قال لم يغم على نبيكم صلى الله تعالى عليه وسلم إلا الخمس من سرائر الغيب هذه الآية فى آخر لقمان {إن الله عنده علم الساعة} إلى آخر السورة،وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخارى فى الأدب عن ربعى بن حراش قال حدثنى رجل من بنى عامر أنه قال يا رسول الله هل بقى من العلم شىء لا نعلمه فقال عليه الصلاة والسلام لقد علمنى الله تعالى خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله تعالى الخمس إن الله عنده علم الساعة الآية.
وصرح بعضهم باستئثار الله تعالى بهن، أخرج بن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة أنه قال فى الآية خمس من الغيب استأثر الله تعالى بهن فلم يطلع عليهن ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا إن الله عنده علم الساعة، ولا يدرى أحد من الناس متى تقوم الساعة فى أى سنة ولا فى أى شهر ليلا أم نهارا وينزل الغيث فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلا أم نهارا، ويعلم ما فى الأرحام فلا يعلم أحد ما فى الأرحام ذكرا أم أنثى أحمد أو أسود، ولا تدرى نفس ماذا تكسب غدا أخيرا أم شرا، وما تدرى بأى أرض تموت، ليس أحد من الناس يدرى أين مضجعه من الأرض أفى بحر أم فى بر فى سهل أم فى جبل، والذى ينبغى أن يعلم أن كل غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل.
وليست المغيبات محصورة بهذه الخمس وإنما خصت بالذكر لوقوع السؤال عنها، أو لأنها كثيرا ماتشتاق النفوس إلى العلم بها.
وقال القسطلانى ذكر صلى الله تعالى عليه وسلم خمسا وإن كان الغيب لا يتناهى لأن العدد لاينفى زائدا عليه، ولأن هذه الخمسة هى التى كانوا يدعون علمها انتهى - وفى التعليل الأخير نظر لا يخفى، وأنه يجوز أن يطلع الله تعالى بعض أصفيائه على إحدى هذه الخمس ويرزقه عز وجل العلم بذلك فى الجملة، وعلمهما الخاص به جل وعلا ما كان على وجه الإحاطة والشمول لأحوال كل منها وتفصيله على الوجه الأتم.
وفى شرح المناوى الكبير للجامع الصغير فى الكلام على حديث بريدة السابق خمس لا يعلمهن إلا الله على وجه الإحاطة والشمول كليا وجزئيا، فلا ينافى إطلاع الله تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات حتى من هذه الخمس لأنها جزئيات معدودة.
وإنكار المعتزلة لذلك مكابرة انتهى - ويعلم مما ذكرنا وجه الجمع بين الأخبار الدالة على استئثار الله تعالى بعلم ذلك وبين ما يدل على خلافه كبعض إخباراته عليه الصلاة والسلام بالغيبات التى هى من هذا القبيل يعلم ذلك من راجع نحو الشفاء والمواهب اللدنية مما ذكر فيه معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم وإخباره عليه الصلاة والسلام بالمغيبات.
وذكر القسطلانى أنه عز وجل إذا أمر بالغيث وسوقه إلى ما شاء من الأماكن علمته الملائكة الموكلون به ومن شاء سبحانه من خلقه عز وجل وكذا إذا أراد تبارك وتعالى خلق شخص فى رحم يعلم سبحانه الملك الموكل بالرحم بما يريد جل وعلا كما يدل عليه ما أخرجه البخارى عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال إن الله تعالى وكل بالرحم ملكا يقول يارب نطفة يارب علقة يارب مضغة، فإذا أراد الله تعالى أن يفصى خلقه قال أذكر أم أنثى شقى أم سعيد فما الرزق والأجل فيكتب فى بطن أمه.
فحينئذ يعلم بذلك الملك ومن شاء الله تعالى من خلقه عز وجل.
وهذا لا ينافى الاختصاص والاستئثار بعلم المذكورات بناء على ما سمعت منا من أن المراد بالعلم الذى استأثر سبحانه به العلم الكامل بأحوال كل على التفصيل فما يعلم به الملك ويطلع عليه بعض الخواص يجوز أن يكون دون ذلك العلم.
بل هو كذلك فى الواقع بلاشبهة) انتهى - وفى تفسير القاضى البيضاوى عند قوله تعالى {فلا يظهر على غيبه أحدا} قال أى على الغيب المخصوص به علمه.
وقال الشهاب عليه قوله على الغيب المخصوص به علمه، لإفادة الإضافة الاختصاص.
واختصاصه به تعالى، لأنه لا يعلم بالذات والكنه علما حقيقيا يقينيا بغير سبب كاطلاع الغير إلا الله وعلم غيره لبعضه ليس علما للغيب إلا بحسب الظاهر، وبالنسبة لبعض البشر كما ذكره بعض المحققين انتهى.
ومن ذلك يعلم.
أنه لا يعلم الغيب بجميع أنواعه بالذات علما حقيقيا إلا الله سبحانه وتعالى لا فرق بين الخمس وغير الخمس، وأما علم غيره تعالى فليس فى الحقيقة علما بالغيب بالذات، وإنما هو علم حادث بتعليم الله سبحانه وتعالى وإطلاعه.
ويعلم مما ذكر أنه لا مانع من أن يطلع الله من شاء على ما شاء من الغيب.
ولا يعد ذلك علما بالغيب، وعلى ذلك يجوز أن الله سبحانه وتعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الساعة، كما يعلم مما تقدم عن الأولسى من أن ما ذكر لا ينافى إطلاع الله تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات حتى من هذه الخمس.
والله أعلم