حكم سماع الموسيقى

F جاد الحق على جاد الحق.

رمضان 1400 هجرية - 12 أغسطس 1980 م

M 1 - الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق فى أمور معينة.

2 - سماع الموسيقى وحضور بمجالسها وتعلمها أيا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز باعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون مقترنة بالخمر والرقص والفسق والفجور، أو اتخذت وسيلة للمرحمات أو أوقعت فى المنكرات أو ألهت عن الواجبات

Q بالكتاب الوارد من مجلة منبر الإسلام المقيد برقم 217 لنسة 1980 باستطلاع الحكم الشرعى فى الموسقى منفردة معزولة عن أى لون من ألوان الفنون التى تصاحبها عادة بعد أن أثير هذا فى الندوة التى عقدها المجلس فى هذا الشأن واختلف الندويون بين مرحم ومبيح

صلى الله عليه وسلمn نقل ابن القيسرانى فى كتابه السماع (س 31 وص 63 وهو طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1390 هجرية - 1970 م تحقيق الأستاذ أبو الوفا المراغى) قول الإمام الشافعى الأصل قرآن وسنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد فيه فهو سنة والإجماع أكبر من خبر المنفرد والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معانى فما أشبه منها ظاهرة أولاها به، فإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسنادا أولادها وليس المنقطع بشىء ما عدا منقطع ابن المسيب وفى هذا الكتاب أيضا (س 31 وص 63 وهو طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1390 هجرية - 1970 م تحقيق الأستاذ أبو الوفا المراغى) وأما القول فى استماع القضيب والأوتار ويقال له التغيير.

ويقال له الطقطقة أيضا فلا فرق بينه وبين الأوتار إذ لم نجد فى إباحته وتحريمه أثرا لا صحيحا ولا سقيما، وإنما استباح المتقدمون استماعه لأنه ما لم يرد الشرع بتحريمه فكان أصله الإباحة.

وأما الأوتار فالقول فيها كالقول فى القضيب، لم يرد الشرع بتحريمها ولا بتحليلها، وكل ما أوردوه فى التحريم فغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صار هذا مذهبا لأهل المدينة، لا خلاف بينهم فى إباحة استماعه، وكذلك أهل الظاهر بنوا الأمر فيه على مسألة الحظر والإباحة.

وأما القول (المرجع السباق ص 71 وما بعدها) فى المزامير والملاهى فقد وردت الأحاديث الصحيحة بجواز استماعها، كما يدل على الإباحة قول الله عز وجل {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} الجمعة 11، وبيان هذا من الأثر ما أخرجه مسلم فى باب الجمعة عن جابر بن سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفى صلاة) وعن جابر بن عبد الله (أنه كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام، فأنفتل الناس إلهيا حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا فأنزلت هذه الآية) وأخرج الطبرى هذا الحديث عن جابر وفيه (أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب لهم الجوارى بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما) .

فهذا عتاب الله عز وجل بهذه الآية.

ثم قال ابن القيسرانى (من 72 من المرجع السابق) والله عز وجل عطف اللهو على التجارة وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه وبالإجماع تحليل التجارة، فثبت أن هذا الحكم مما أقره الشرع على ما كان عليه فى الجاهلية، لأنه غير محتمل أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم حرمه ثم يمر به على باب المسجد يوم الجمعة، ثم يعاتب الله عز وجل من ترك رسوله صلى الله عليه وسلم قائما، وخرج ينظر إليه ويستمع ن ولم ينزل فى تحريمه آية، ولا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة، فعلمنا بذلك بقاءه على حاله، ويزيد ذلك بيانا ووضوحا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها زفت امرأة من الأنصار إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما كان معكن من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وهذا الحديث أورده البخارى (شرح عمدة القارىء على صحيح البخارى 146/20 هامش المرجع السابق) فى صحيحه فى كتاب النكاح.

وقد عقد الغزالى فى كتاب إحياء علوم الدين (ص 1150 ج - 6 لجنة نشر الثقافة الإسلامية 1356 هجرية) الكتاب الثامن فى السماع وفى خصوص آلات الموسيقى قال إن الآلة إذا كانت من شعار أهل الشرب أو الخنين وهى المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائل الآلات ونقل القرطبى فى الجامع الأحكام القرآن (ج - 14 ص 54) قول القشيرى ضرب بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن نحن بنات النجار حبذا محمد من جار ثم قال القرطبى وقد قيل إن الطبل فى النكاح كالدف والكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن رفث (أحكام القرآن لابن العربى ج - 3 ص 1494) ونقل الشوكانى فى نيل الأوطار (ج - 8 ص 104 و 105) فى باب ما جاء فى آلة اللهو أقوال المحرمين والمبيحين وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث (كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه) بقول الغزالى قلنا قوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة ثم قال الشوكانى وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح، وساق أدلة أخرى فى هذا الصدد من بينها حديث (ج - 8 ص 106 المرجع السابق) من نذرت أن تضرب بالدف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ورده الله سالما من إحدى الغزوات وقد أذن لها عليه صلوات الله وسلامه بالوفاء بالنذر والضرب بالدف، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية فى مثل ذلك الموطن، وأشار الشوكانى إلى رسالة له عنوانها إبطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع.

وفى المحلى (ج - 9 ص 60) لابن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى) فمن نوى استماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها.

وفعوده على باب داره متفرجا.

وعقد البخارى فى صحيحه (ج - 9 ص 171 فى آخر كتاب الاستئذان.

المطبعة الأميرية سنة 1305 هجرية على هامشه صحيح مسلم) بابا بعنوان كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله.

وعقب فى الرشاد السارى على هذا العنوان بقوله ولو كان مأذونا فيه، كمن اشتغل بصلاة نافلة أو تلاوة أو ذكر أو تفكر فى معانى القرآن حتى خرج وقت المفروضة عمدا.

وفى الفقه الحنفى جاء فى كتاب البدائع (ج - 6 ص 269) للكاسانى فيمن تقبل شهادته ومن لا تقبل وأما الذى يضرب شيئا فى الملاهى فإنه ينظر إن لم يكن مستشنعا كالقضيب والدف ونحوه لا بأس به ولا تسقط عدالته وإن كان مستشنعا كالعود ونحون سقطت عدالته، لأنه لا يحل بوجه من الوجوه.

وفى مجمع الأنهر (ج - 2 ص 198) فى ذات الموضع أو يلعب بالطنبور لكونه من اللهو، والمراد بالطنبور كل لهو يكنون شنيعا بين الناس احترازا عما لم يكن شنيعا كضرب القضيب فإنه لا يمنع قبولها، إلا أن يتفاحش بأن يرقصوا به فيدخل فى حد الكبائر.

وجاء مثل هذا فى كتاب الدر (ج - 4 ص 398) المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين وفى المغنى لابن قدامه (ج - 10 ص 240 و 242) الملاهى على ثلاثة أضرب محرم وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته.

وضرب مباح وهو الدف فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) أخرجه مسلم، وذكر أصحابنا وأصحاب الشافعى أنه مكروه فى غير النكاح وهو مكروه للرجال على كل حال.

وأما الضرب بالقضيب فمكروه إذا انضم إليه محرم أو مكروه كالتصفيق والغناء والرقص، وإن خلا عن ذلك كله لم يكره، لأنه ليس بآلة طرب ولا يطرب ولا يسمع منفردا بخلاف الملاهى، ومذهب الشافعى فى هذا الفصل كمذهبنا.

وفى لسان العرب اللهو ما لهوت به ولعبت به وشغلك من هوى وطرب ونحوهما، والملاهى آلات اللهو.

وفيه القصب كل نبات ذى أنابيب، والقاصب الزامر، والقصاب الزمار.

وفى المصباح المنير وأصل اللهو الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة، وألهانى الشىء شغلنى، وفى فتوى للإمام الأكبر (ص 375 - 385 فتاوى الشيخ شلتوت طبعة 1379 هجرية - 1959 م الادارة الثقافية بالأزهر) المرحوم الشيخ محمود شلتوت فى تعلم الموسيقى وسماعها ك ان الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التى يجدها لها أثرا فى نفسه، به يهدأ وبه يرتاح وبه ينسشط وتسكن جوارحه، فتراه ينشرح بالمناظر الجميلة كالخضرة المنسقة والماء الصافى والوجه الحسن الروائح الزكية، وأن الشرائع لا تقضى على الغرائز بل تنظمها، والتوسط فى الإسلام أصل عظيم أشار إليه القرآن الكريم فى كثير من الجزئيات، منها قوله تعالى {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} الأعراف 31، وبهذا كانت شريعة الإسلام موجهة الإنسان فى مقتضيات الغريزة إلى الحد الوسط، فلم تترك لا نتزاع الغريزة فى حب المناظر الطيبة ولا المسموعات المستلذة وإنما جائت بتهذيبها وتعديلها إلى مالا ضرر فيه ولا شر.

وأضاف الإمام الأكبر فى هذه الفتوى أنه قرأ فى الموضوع لأحد فقهاء القرن الحادى عشر المعروفين فيه بالورع والتقوى رسالة هى (إيضاح الدلالات فى سماع الآلات) للشيخ عبد الغنى النابلسى الحنفى قرر فيها أن الأحاديث التى استند بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيدة بذكر الملاهى وبذكر الخمر والقينات والفوسق والفجور ولا يكاد حديث يخلو من ذلك، وعليه كان الحكم عنده فى سماع الأصوات والآت المطربة أنه إذا اقترن بشىء من المحرمات أو اتخذ وسيلة للمحرمات أو أوقع فى المحرمات كان حرامات، وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحا فى حضوره وسماعه وتعلمه.

وقد نقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم عن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرم، وذهب إلى مثل هذا كثير من الفقهاء وانتهت الفتوى إلى أن سماع الآلات ذات النغمات أو الأصوات لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة وإنما يحرم إذا استعين به على محرم أو اتخذ وسيلة إلى محرم أو ألهى عن واجب ونخلص من هذه النقول من كتب فقه المذاهب وأحكام القرآن واللغة إلى أن الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق على الحداء وفى تحريض الجند على القتال وفى العرس وفى العيد وقدوم الغائب وللتنشيط على الأعمال الهامة، وأن الاختلاف الذى ثار بين الفقهاء وجرى فى كتبهم كان فى حل أو عدم حل الاشتغال بالموسيقى سماعا وحضورا وتعلما إذا صاحبها محرم كشرب الخمر أو غناء ماجن أو غزل أو كانت الموسيقى مما يحرك الغزئز ويبعث على الهوى والفسوق كتلك التى تستثير فى سامعها الرقص والخلاعة وتلك التى تستعمل فى المنكرات المحرمات كالزار وأمثاله أو فوتت واجبا.

وهذا ظاهر مما قاله (انظر الهوامش السابقة) فقهاء المذهب الحنفى من أن الضرب غير المستشنع لا بأس به ولا يسقط العدالة وفسروا المستشنع بأن يرقصوا به فيدخل فى حد الكبائر.

وظاهر أيضا مما قال به ابن (انظر الهوامش السابقة) العربى المالكى فى أحكام القرآن من أن الطبل فى النكاح كالدف - وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن رفثا.

ومن جملة ما قال به ابن قدامة فى المغنى (انظر الهوامش السابقة) نقلا لمذهب الإمامين الشافعى وأحمد فى هذا الموطن يتضح أنه لا يخالف أو يختلف مع ما قال به الفقه الحنفى والمالكى وأورده من قيود.

ثم إن ما جاء فى عبارات الفقهاء (انظر الهوامش السابقة) من إجازة الضرب ببعض الآلات دون بعض يبدون أن المنع فى بعضها إنما هو للآلات التى تدفع سامعها لفحش القول أو الرقص وليس لذات الآلات، كما يدل على هذا قول فقهاء (انظر الهوامش السابقة) الحنفية الذى سبق نقله، ومال قال به الفقه الحنبلى والشافعى (انظر الهوامش السابقة) من انضمام المرحم أو المكروه كالتصفيق والرقص هو المحرم، وما قال به ابن العربى المالكى ولم يكن معه رفث.

لما كان ذلك وكانت القضية قد واجهها الفقه على هذا الوجه وتصدى لتحقيق النصوص فيها صاحب كتاب السماع (انظر الهوامش السابقة) وهو محمد بن طاهر ابن على بن أحمد بن أبى الحسن الشيبانى أبو الفضل المقدسى المعروف بابن القيسرانى من رجال الحديث وقال إنه لا فرق بين استماع القضيب وبين الأوتار إذ لم نجد فى إباحته وتحريمه أثرا لا صحيحا ولا سقيما، وإنما استباح المتقدمون اسماعه لأنه لم يرد الشرع بتحريمه فكان أصله الإباحة كما تصدى لذلك الشيخ عبد الغنى النابلسى الحنفى فى رسالته (انظر الهوامش السابقة) المنوه بها آنفا التى قرر فيها أن الأحاديث التى استدل بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيدة بذكر الملاهى وبذكر الخمر والقينات والفسوق والفجور ولا يكاد حديث يخلو من ذلك.

وهذا أيضا قول ابن حزم (انظر الهوامش السابقة) إن الأمر مرتبط بالنية.

فمن نوى ترويح نفسه وتنشيطها للطاعة فهو مطيع محسن، ومن لم ينو لا طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها وقعوده على باب داره متفرجا.

وأيضا قول الغزالى (انظر الهوامش السابقة) فيما نقله الشوكانى فى تفسير الحديث الشريف (كل هلو يلهو به المؤمن فهو باطل) لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة، ومالا فائدة فيه من قسم المباح.

كما قال الشوكانى. لما كان ذلك كان القول بالتحريم على وجه الإطلاق خاليا من السند الصحيح قال تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} النحل 116، والقول بأن تحريم سماع الموسيقى وتعلمها وحضورها من باب سد الذرائع أو من باب أو درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ليس مقبولا لأن الموسيقى وإن كان قد يصاحبها الخمر والرقص وغير هذا من المنكرات إلا أن هذا ليس الشأن فيها دائما، ومن ثم صار مثلها مثل الجلوس على الطريق.

ففى الحديث الشريف (شرح السنة للبغوى 3338/12) الذى أخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إياكم والجلوس بالطرقات فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها.

فقال فإذا أبينهم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه.

قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ومن هذا نأخذ أن من المباحات ما يحرم إذا اقترن به محرم، وعندئذ تكون الحرمة طارئة، بمعنى أنها ليست حكما أصليا.

لما كان ذلك.

كان الوقوف عند الوسط (الموافقات للشاطبى ج - 4 ص 258 وما بعدها طبع المكتبة التجارية تحقيق المرحوم الشيخ عبد الله دراز) من الأقوال هو الأولى بالاتباع.

ومن ثم نميل إلى أن سماع الموسيقى وحضور مجالسها وتعلمها أيا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز باعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون مقترنة بالخمر والرقص والفسوق والفجور، أو اتخذت وسيلة للمحرمات أو أوقعت فى المنكرات أو ألهت عن الوجبات، كما جاء فى تبويب (ارشاد السارى ج - 2 ص 171 على هامشه صحيح مسلم) البخارى فإنها فى هذه الحالات تكون حراما كالجلوس على الطريق دون حفظ حقوقه التى بينها ذلك الحديث الشريف لأن الحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله (أعلام الموقعين لابن القيم ج - 1 ص 32) قال جل شأنه {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون.

قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} الأعراف 32، 33، قال ابن العربى (أحكام القرآن ج - 2 ص 782) من معانى (زينة الله) جمال الدنيا فى ثيابها وحسن النظرة فى ملابسها وملذاتها قال تعالى {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف 157، قال الشوكانى (نيل الأوطار ج - 8 ص 105) الطيبات فى الآية تشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزا المستلذ، وهو الكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق بإزاء الظاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام، فتدخل أفراد المعانى الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر وهو الظاهر.

وقد صرح ابن عبد السلام فى دلائل الأحكام أن المراد فى الآية بالطيبات المستلذات.

والله سبحانه وتعالى أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015