قتل الرجل نفسه أو أمره غيره بذلك

F حسن مأمون.

رجب 1375 هجرية - 13 فبراير 1956 م

M 1- من قتل نفسه بحديدة عذب به فى نار جهنم.

2- من خنق نفسه يخنقها فى النار، ومن طعن نفسه يطعنها فى النار.

3- قتل الشخص نفسه لألا سبب من الأسباب أو تحت أى ظرف من الظروف مهما كان خطره والنتائج المترتبة عليه محظور فى الشريعة الإسلامية.

4- إكراه الشخص على قتل آخر بقتل المكره نفسه إن لم يفعل لا يبيح له ذلك وإن قتله المكره كان آثما.

5- لا يحل للرجل قتل نفسه تخلصا مما هو فيه من تعذيب شديد واضطهاد.

6- الوقوع فى الأسر غير مبيح لمن وقع فيه أن يقتل نفسه، بل الواجب عليه الصبر على التعذيب وأن يكتم سره ولا يبيح به للعدو.

7- لا حرج على الأسير إذا أدلى للعدو بأقوال غير صحيحة تضليلا له وكفا عن تعذيبه

Q من السيد / م ح م قال إنه قد يتعرض بعض قادة الجيش المصرى للوقوع فى الأسر نظرا لقربهم من العدو، وبدهى أن يكون هذا القائد بحكم مهمته لديه كثير من المعلومات العسكرية البالغة السرية.

وبوقوعه فى الأسر يتعرض لاستجواب عنيف من أعوان العدو، وتستخدم معه جميع وسائل التعذيب والتأثير مما يترتب عليه حتما الإفضاء ببعض هذه الأسرار، وفى ذلك أكبر الضرر والغدر بجيشنا وبلادنا ومستقبلهما.

وطلب السيد السائل معرفة حكم الشريعة الإسلامية فيما يأتى هل يجوز لهذا القائد الذى وقع فى الأسر إذا توفرت له هذه الظروف القهرية أن يتخلص من هذا المأزق الخطير بقتل نفسه بنفسه أو يأمر أحدا غيره كأركان حرب مثلا أن يقتله مادام ذلك رغبة منه فى المحافظة على أسرار الدولة وحرصا على سلامة جيوشها المرابطة فى الميدان وهل يعتبر هذا القتل استشهاد فى سبيل الله يستحق عليه أجر المجاهدين وإذا كانت الشريعة الإسلامية لا تبيح ذلك فما هو الحل الذى يتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية ولا يتعارض مع سلامة الوطن فى مثل هذه الأحوال الخطيرة

صلى الله عليه وسلمn إن قتل النفس عمدا من أكبر الكبائر وأشدها عقوبة عند الله وجناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره فى الإثم والعقوبة، لأن نفسه ليست ملكا له وإنما هى ملك لله سبحانه وتعالى.

وقد ورد فى كتاب الله الكريم آيات كثيرة فى مواضع متعددة تحرم قتل النفس وتفرض أشد العقوبة على فاعله.

من ذلك ما جاء فى سورة النساء قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} النساء 29، وقوله {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا} النساء 92، وقوله {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} النساء 93، وفى سورة الأنعام {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} الأنعام 151، وفى سورة الإسراء قوله تعالى {ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا} الإسراء 33، وغير ذلك من الآيات.

كما وردت بذلك الصحاح من الحديث.

فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ومن قتل نفسه بحديدة عذب به فى نار جهنم) وفى حديث جندب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (كان برجل جراح قتل نفسه.

فقال الله عز وجل بدرنى عبدى بنفسه فحرمت عليه الجنة) وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال النبى صلى الله عليه وسلم (الذى يخنق نفسه يخنقها فى النار والذى يطعنها يطعنها فى النار) وغير ذلك كثير من الأحاديث والآثار الصحيحة الدالة على تحريم قتل النفس ولشناعة قتل النفس وبشاعته ولشدة النكير على فاعله لم يرد فى الشريعة الإسلامية ما يبيحه أو يخفف عقوبته لأى سبب من الأسباب، ولا لأى ظرف من الظروف مهما كان خطره ومهما كانت النتائج المترتبة عليه حتى نص الفقهاء على أن الإنسان إذا أكره بقتل نفسه على قتل نفس شخص أخر فقتله فهو آثم وهذه سيرة السلف فى تعذيبهم واضطهادهم للتخلي عن الإسلام والنطق بكلمة الكفر وفى حروبهم وتعرض بعضهم لما لاتطيقه النفس البشرية لم نسمع ولم نر أن أحدا منهم أقدم علي قتل نفسه للتخلص مما هو فيه من تعذيب شديد واضطهاد.

وقد سئل الإمام ابن تيمية عن رجل له مملوك هرب ثم رجع فلما رجع أخذ سكينة وقتل نفسه فهل يأثم سيدة وهل يجوز علية الصلاة فأجاب إنه لم يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمة واعتدى بأى وسيلة بل كان عليه إذا لم يمكنه رفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرج الله إلى آخر ما جاء بهذه الفتوى.

ومن هذا كله يتبين أن الإنسان لا يجوز له بحال من الأحوال مهما كانت الظروف والدواعى أن يقتل نفسه.

ومن ذلك ما جاء بحادثة هذا السؤال.

فإنه إذا وقع أحد من المحاربين فى الأسر، فإنه لا يجوز له أن يقتل نفسه، والواجب عليه شرعا أن يصبر على التعذيب ويكتم سره ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ويكون فى ذلك المثوبة الكبرى له لإرضائه لربه ورسوله ودينه ووطنه، ولا حرج عليه شرعا أن يدلى للعدو بأقوال غير صحيحة تضليلا له وللكف عن تعذيبه، لأن الكذب فى الحروب مباح شرعا كما وردت بذلك الآثار وأقوال الفقهاء.

ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال والله سبحانه وتعالى أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015