F جاد الحق على جاد الحق.
جمادى الأولى 1401 هجرية - 1 أبريل 1981 م
M1 - إذا كان للمسجد أرض فضاء تابعة له جاز إقامة عمارة عليها.
وتستغل لمصلحة المسجد وفقراء المسلمين بإذن من القاضى كما يجوز هدم المسجد المتخرب اعتبارا وبيع أنقاضه وإدخال ثمنها فى بنائه الجديد
Q بكتاب السيد رئيس هيئة التولية على الأوقاف الإسلامية بمدينة حيفا المحرر فى 20 ربيع الآخر سنة 1401 هجرية - 24 فبراير سنة 1981 المقيد برقم 74 لسنة 1981 وقد جاء به لدينا مسجد قديم جدا فى مدينة حيفا اسمه - الجامع الكبير - وأصل هذا الجامع فى سابق العهود كنيسة مسيحية، وبعد الفتح الإسلامى وسكنى المسلمين المدينة، حولوا تلك الكنيسة إلى مسجد وأن الساحات الخارجية هذا المسجد تبلغ أربعة أضعاف مساحة حرم الصلاة نفسه، وأن هذه الساحات غير مستعملة، وقد كان يستعملها المسلمون للصلاة فى الأعياد أيام الانتداب البريطانى ويم كان المسلمون أغلبية السكان.
وأن مبنى هذا المسجد آيل للسقوط، وخطر على حياة المصلين والمارة ومن المتعذر ترميمه نظرا لقدم وتلف مبناه، وأنه بعيد عن التجمع الإسلامى ولا يؤمه اليوم إلا ما ندر، حيث يوجد لدينا مسجد آخر، لا يبعد عن المسجد القديم أكثر من مائة وخمسين مترا، وأنه مسجد ممتاز وعلى آخر طراز فى الترتيب والنظافة والفرش والملحقات، ويؤمه المسلمون يوميا وفيه تؤدى صلاة الجمعة والجماعة والأعياد وكافة فرائض المسلمين واحتفالاتهم الدينية، وبجانبه مكاتب الوقف والمحكمة الشرعية بالمدينة.
ويعتبر المركز الإسلامى الوحيد من نوعه فى البلاد.
والسؤال هل يجوز شرعا هدم هذا المسجد القديم، وبناء مسجد حديث على قسم من الأرض التابعة له وأرضه الحالية، واستغلال باقى الأرض لبناء عمارة متعددة الطوابق، ينتفع من تأجيرها بما يعود بالخط والمنفعة على الوقف والمسلمين هذا مع العلم بأن المجسد القديم الحالى موجود فى منطقة تجارية وبين عمارات شامخة متعددة الطوابق، مما يتعذر رؤيته من بعيد من بين هذه المبانى
صلى الله عليه وسلمn إن الله سبحانه قال فى القرآن الكريم {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} التوبة 18، وقال تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز} الحج 40، وقال جل ثناؤه {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} الجن 18، ولقد نص الفقهاء على جواز بناء المسجد فى أى موضع كان، كنيسة أو نحوها، للأحاديث الصحيحة فى ذلك - منها حديث عثمان بن أبى العاص (رواه ابن ماجة وأبو داود - مختصر سنن أبى داود ص 256 ج - 1) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد أهل الطائف حيث كانت طواغيتهم.
ولأهمية المساجد فى الإسلام عنى الفقهاء ببيان أحكامها وتعميرهما وحثوا على المحافظة عليها، وجرت أوقاف السلف الصالح من المسلمين للإنفاق عليها، حتى لا يسعى الخراب إليها وتندثر وتتعطل الشعائر، وفى سبيل المحافظة على المساجد والقيام على عمارتها نص الفقه الشافعى على أنه (اعلام المساجد فى أحكام المساجد للزركشى الشافعى ص 345 طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) إذا تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد أو خرابها أو بخراب المسجد، فلا يعود مملوكا خلافا لمحمد بن الحسن ولا يجوز بيعه بحال ولا التصرف فيه.
وقد جرى الفقه المالكى (التاج والأكليل على مختصر خليل ج - 6 ص 41 وما بعدها) على مثل هذا، غير أنه أجاز فى المسجد إذا تخرب وخيف على أنقاضه من الفساد ولم ترج عمارته، لا بأس ببيعها أعين بثمنها فى مسجد فى مسجد آخر.
أجاز فقه الإمام أحمد (المغنى لابن قدامة ج - 6 ص 237 مع الشرح الكبير على متن المقنع) بيع المسجد إذا صار غير صالح للغاية المقصود منه، كأن ضاق على أهله، ولم يمكن توسيعه حتى يسعهم، أو خربت الناحية التى فيها المسجد وصار غير مفيد، ويصرف ثمنه فى إنشاء مسجد آخر يحتاج إليه فى مكانه.
وفى الفقه الحنفى أن المسجد إذا خرب ولم يكن له ما يعمر به، وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر، أو خرب ما حوله واستغنى عنه يبقى مسجدا أبدا إلى قيام الساعة عنه أبى حنيفة وأبى يوسف، ويعود إلى ملك البانى عند محمد ونصوا على أنه إذا أراد أهل محلة نقض المسجد وبناءه أحكم من الأول، إن كان من يريد إعادة البناء من أهل المحلة كان لهم ذلك وإلا لم يجز.
كما نصوا على أنه لقيم المسجد أن يؤجر فناءه للتجار لصالح المسجد، وتصر الأجرة على مصالح المسجد وللفقراء من المسلمين، وذلك بإذن من القاضى (كتاب الهداية وفتح القدير ج - 5 ص 56، والفتاوى الخانية ج - 3 الصفحات 293 و 311 و 314 و 315 و 329، والبحر الرائق لابن نجيم ج - 5 فى أحكام المسجد ص 248 - 256، وحاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار ج - 3 ص 572 وما بعدها فى كتاب الوقف) وقد تحدث الفقهاء عن حرم المسجد أى الأرض التى حوله التابعة له، وسموها رحاب المسجد أو أفنيته الخارجة عنه، فأعطاها بعضهم حكم مسجد آخر، وأتبعها آخرون لذات المسجد الذى تحيط به، وعرفها بعضهم بأنها ما كان محجرا على المسجد ومضافا إليه (البحر الرائق لابن نجيم الحنفى فى الموضع السابق وأعلام المساجد بأحكام المساجد للزركشى الشافعى ص 346 ط.
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة سنة 1385 هجرية) لما كان ذلك وكان الظاهر من السؤال أن المسجد المسئول عنه قديم منذ دخل الإسلام مدينة حيفا، وأنه آيل للسقوط، وخطر على حياة المصلين والمارة ويتعذر ترميمه.
إذا كان هذا واقعا اعتبر هذا المسجد متخربا، وجاز هدم بنائه وبيع أنقاضه وإدخال ثمنها فى بنائه الجديد نزولا على أقوال فقهاء المذهب الحنفى وبعض فقهاء المذهب المالكى والمذهب الشافعى ومذهب أحمد بن حنبل، وإعادة بنائه فى ذات مكانه، إذ لا تزول صفة المسجدية عن أرض المسجد بتخربه فى قول فقهاء المذاهب جميعها على نحو ما سبقت الإشارة إليه، وإذا كانت الساحة المحيطة بالمسجد، وهى ما عبر عنه فقهاء الإسلام بحريم المسجد أو بفنائه، ولم تكن تلك الساحة معدة للصلاة، جاز إدخال بعضها فى المسجد المزمع إقامته حتى يتسع لصلاة جمع من المسلمين فى الجمع والأعياد.
وجاز كذلك إقامة بناء عمارة متعددة الطوابق، تستغل لصالح الوقف والمسجد وفقراء المسلمين، وهذا أخذا بما نص عليه فقهاء المذهب الحنفى من جواز إجازة فناء المسجد للتجار وإنفاق هذه الأجرة على مصالح المسجد وفقراء المسلمين.
وهذا مع وجوب مراعاة ألا تؤجر هذه العمارة بعد بنائها أو يؤجر جزء منها للاستعمال فى أمور محرمة شرعا، صيانة لحرمة المسجد وأوقافه من مجاورة المحرم أو الإنفاق على مصالحه وعلى جهة الوقف والفقراء من مال حرام.
هذا ويجب على هيئة التولية على الأوقاف الإسلامية لمدينة حيفا عرض هذا الأمر على المحكمة الشرعية للنظر فى تطبيق الأحكام التى انتهت إليها هذه الفتوى إذا كانت لها الصلاحية فى أمور الأوقاف، وإلا كان للهيئة النظر فى تطبيقها.
حتى يكون الجميع فى نطاق قول الله سبحانه {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} التوبة 18، والله سبحانه وتعالى أعلم