F محمد بخيت.
ذو الحجة 13365 هجرية - 11 سبتمبر 1918 م
Mأوقاف الملوك والأمراء وغيرهم صحيحية متى استجمعت شروطها المعتبرة شرعا وتراعى شروط واقفيها ولا تجوز مخالفتها متى علمت تلك الشروط
Q من حضرة قاضى محكمة خليل الرحمن الشرعية سؤالا مرفقا بجواب من حضرته مؤرخ 25 شعبان سنة 1336 نمرة 59 وصورة السؤال فى جملة من القرى والمزارع والدكاكين وغيرها بأراضى فلسطين من أعمال القدس الشريف وخليل الرحمن ويافا وغزة ونابلس وجهات أخرى اشتراها جماعة من أهل الخير والصلاح من ملوك وأمراء وغيرهم بمالهم الخاص بهم من وكيل بيت المال شراء حصحيا شرعيا، وبعد تملكهم لها بالوجه الشرعى أوقفوها وهم يملكونها علىمصالح حرم سيدنا خليل الرحمن على إقامة شعائر الدين فيه من أئمة وخطباء ومدرسين ومؤذنين وتربداريه وفراشين وبوابين ومكنسين وغيرهم، وعلى السماط الذى يعمل للفقراء القاطنين بمدينة الخليل والواردين لزيارة هذا النبى الكريم وعلى فقراء أهالى مدينة الخليل أيضا، وإذا تعذر الصرف للجهات المذكورة والعياذ بالله تعالى يصرف على فقراء بيت المقدس بحسب ما يراه الناظر وإذا تعذر الصرف لفقراء بيت المقدس والعياذ بالله يصرف لفقراء المسلمين أينما وجدوا، وإذا زال التعذر يعود صرفها للجهات المذكورة حسب الترتيب المذكور، وأن هذا الأوقاف محررة بصكوك شرعية مأمونة ومحفوظة من شبهة التزوير والتضييع حيث إنها موضوعة من قديم الزمان للآن فى حرم السيد الخليل بصندوق الوقف تحت نظارة مدير الأوقاف ومجلسه وعليها تواقيع من جملة مشاهير القضاة وجارى التناول لبعض من واردات الأوقاف المذكورة وفقا لبعض شروط الواقفين والقسم الأعظم منها كانت دولة الترك تأخذها تغلبا وتصرفها على خلاف شرط الواقف والآن زال هذا التغلب.
فهل والحالة هذه يجب صرف جميع واردات الأوقاف المذكورة على مصالح الحرم المشار إليه وعلى شعائره والسماط والفقراء الموجودين بمدينة خليل الرحمن لعدم التعذر وفقا لشروط الواقفين أم لا أفيدوا الجواب ولكم الثواب من الملك الوهاب
صلى الله عليه وسلمn اطلعنا على هذا السؤال - ونفيد أنه قال فى شرح الدر المختار بهامش رد المحتار بصحيفة 399 جزء ثالث طبعة أميرية سنة 1286 ما نصه (وفى النهر عن الواقعات لو أراد السلطان شراءها لنفسه يأمر غيره ببيعها ثم يشتريها منه لنفسه وإذا لم تعرف الحال فى الشراء من بيت المال فالأصل الصحة وبه عرف صحة وقف المشتراة فى بيت المال وأن شروط الواقفين صحيحة) .
قال فى حاشية رد المحتار عليه بالصحيفة المذكورة وحاصلة أن من اشترى أرضا مما صار لبيت المال فقد ملكها وإن لم يعرف حال الشراء حملا له على الصحة وحيث ملكها بالشراء صح وقفه لها وتراعى شروط وقفه، قال فى التحفة المرضية سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما وما ذكره الجلال السيوطى من أنه لا تراعى شروطه إن كان سلطانا أو أميرا وأنه يستحق ريعه من يستحق فى بيت المال من غير مباشرة للواظائف لمحمول على ما إذا وصلت للواقف بإقطاع السلطان إياه من بيت المال.
وحاصله أن ما ذكره السيوطى لا يخالف ما قلنا لانه محمول على ما إذا لم يعرف شراء الواقف لها من بيت المال بل وصلت إليه بإقطاع السلطان لها، أى بأن جعل له خراجها مع بقاء عينها لبيت المال فلم يصح وقفه لها ولا تلزم شروطه بخلاف ما إذا ملكها ثم وقفها كما قلنا.
ملخصا من رد المحتار - لكن ما ذكره فى أنها إذا وصلت إليه بإقطاع السلطان لم يصح وقفه لها ولا تلزم شروطه مبنى على أن الإقطاع عبارة عن تمليك الخراج من بقاء رقبة الأرض لبيت المال كما يصرح بذلك قوله بأن جعل له خراجها مع بقاء عينها لبيت المال، أما على ما ذكره فى رد المحتار أيضا من باب العشر والخراج بعد نقله عبارة الإمام أبى يوسف فى كتاب الخراج من قوله فهذا يدل على أن للإمام أن يعطى الأرض من بيت المال على وجه التمليك لرقبتها.
كما يعطى المال حيث رأى المصلحة إذ لا فرق بين الأرض والمال فى الدفع للمستحق.
فلا شك فى صحة وقفه أى المقطع له وقفا حقيقيا وحينئذ فتراعى شروطه ولا سبيل إلى نقضه، وما ذكره بعضهم من عدم صحة وقف المقطع له فالمراد بالمقطع له من جعل له خراجها دون رقبتها، والمراد بعدم صحة الوقف أنه لا يكون وقفا حقيقيا وإن كان إرصاجا صحيحا على مصارف بيت المال كما أفاد ذلك فى رد المحتار أيضا جوابا عن كلام العلامة قاسم فى رسالته حيث أفتى بصحة الوقف من بيت المال على مصالح مسجد وأفتى بأن سلطانا آخر لا يملك إبطاله إلى آخر ما قاله فى الفتاوى المهدية بصحيفة 646 وما بعدها جزء ثان من أن التحقيق أيضا صحة الوقف من بيت المال ولو على معينين إذا جعل مآله إلى الفقراء وغيرهم من مصارف بيت المال نظرا للمآل، كما أفاده العلامة ابن نجيم ونقله صاحب الرسالة المسماة عطية الرحمن فى صحة إرصاد الجوامك والأطيان، ونقلها فى الفتاوى المهدية بتمامها - فتلخص أن الأراضى إما أن تكون مملوكة الرقبة كالموات التى أحييت بإذن ولى الأمر أو اشتريت من بيت المال أو اقتطعت وقبتها للمصلحة فى ذلك أولا تكون مملوكة الرقبة كالأراضى التى آلت لبيت المال، فإذا كانت الأراضى مملوكة الرقبة يصح وقفها ويكون وقفا حقيقيا إذا استجمع شرائطه المعتبرة شرعا وحينئذ تراعى شروط واقفها - وإذا كانت الأرض غير مملوكة الرقبة بأن آلت لبيت المال فإيقافها لا يخلو الخال فيه إما أن تكون من قبل ولى الأمر على مصارف بيت المال كالمجاهدين والعمال والعلماء والمفتين والقضاة والأرامل والفقراء والمساجد، أو على معينين مع جعل المآل لمن ذكروا من جهات مصارف بيت المال المذكورة - وإما أن يكون الإيقاف لتلك الأرض بإذن ولى الأمر من قبل من أقطع له ولى الأمر خراجها مع بقاء رقبتها لبيت المال ممن يكون من مصارف بيت المال على من ذكروا، وعلى كل حال من حالتى وقف الأرض الغير مملوكة الرقبة فالوقف صحيح لا على أنه وقف حقيقى بل على أنه إرصاد لا يجوز نقضه ولا إخراجه عن مستحقيه الذين هم من مصارف بيت المال حيث كانت لمصلحة من مصالح عامة المسلمين ولو باعتبار المآل بأن كان على معين وجعل مآله لمصرف من مصالح بيت المال المذكورة إلا أنه لكونه ليس وقفا حقيقيا لا تراعى شروطه، والمراد عن عدم مراعاة شروطه أن للإمام أو نائبه أن يزيد فى شروطه وينقص ونحو ذلك وليس المراد أن يصرفها عن الجهة المعينة بأن يقطع وظائف العلماء ويصرفها إلى غيرهم كما يستفاد كل ذلك مما نقلناه عن رد المحتار والفتاوى المهدية وما نقله فى الرسالة المسماة عطية الرحمن المار ذكرها - ومن ذلك يعلم أن القرى والمزارع والدكاكين وغيرها بأراضى فلسطين من أعمال القدس وخليل الرحمن ويافا وغزة ونابلس وجهات أخرى متى كان واقفوها سواء كانوا من الملوك أو أمراء أو غيرهم اشتروها بمالهم الخاص بهم بالطريق الشرعى ووقفوها وهم يملكونها وقفا صحيحا شرعيا على حرم سيدنا خليل الرحمن وعلى إقامة شعائر الدين إلى آخر ما هو مذكور بالسؤال كانت هذه الوقاف أوقافا حقيقية تراعى شروط واقفيها ويجب صرف جميع واردات الأوقاف المذكورة على موافقة شروط واقفيها، ولا تجوز مخالفة شروط واقفيها متى علمت تلك الشروط لأن شركط الواقف المعتبر كنص الشارع فى الفهم والدلالة ووجوب العمل به كما صرح بذلك فى الدر المختار ولد المحتار وغيرهما من كتب المذهب المعتبرة.
والله أعلم