حكم النذر على الأضرحة والأولياء

F عبد المجيد سليم.

محرم 1364 هجرية 25 ديسمبر 1944 م

M 1 - النذر لأصحاب الأضرحة والأولياء والصالحين باطل بالإجماع لأنه نذر لمخلوق وهو غير جائز لأن النذر عبادة وهى لا تكون لمخلوق أبدا ولأن المنذور له ميت والميت لا يملك.

2 - إذا ظن الناذر أن الميت يتصرف فى الأمور دون الله سبحانه وتعالى واعتقده كان ذلك كفرا والعياذ بالله إلا إذا قال إنه ينذر لله سبحانه وتعالى إذا شفى مريضه أو قضيت حاجته أن يطعم الفقراء الواقفين بباب السيدة نفيسة أو الإمام الشافعى الخ مما يكون فيه نفع الفقراء فيكون جائز.

3 - لا يجوز صرف النذر لغنى غير محتاج ولا لشريف ذى منصب ولا الذى علم من أجل علمه ما لم يكن كل هؤلاء فقراء.

4 - إذا كان النذر لغير الله تعالى فهو حرام والمال المنذور يجب رده إلى صاحبه إن علم وإلا يكون من قبيل المال الضائع الذى لا يعلم له مستحق فيصرف على مصالح المسلمين أو على الفقراء.

5 - التنازل عن الحق فى صندوق النذور باطل لأن الحق فيه لم يثبت شرعا حتى يمكن التنازل عنه وعلى فرض أن له حقا فيه فهذا من الحقوق التى لا تقبل التنازل أو التمليك أو التى تنتقل بالإرث

Q سيدة لها حصة فى صندوق النذور والصدقات بضريح أحد الأولياء قد تنازلت هذا السيدة عن هذه الحصة لأولاد بنتها.

فهل يصح هذا التنازل شرعا وهل هذه الصدقات والنذور تورث

صلى الله عليه وسلمn اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بأنه قد جاء فى البحر قبيل باب الاعتكاف من الجزء الثالث نقلا عن الشيخ قاسم وفى شرح الدرر ما نصه - وأما النذر الذى ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد كأنه يكون لإنسان غالب أو مريض أو له حاجة ضرورية فيأتى بعض الصلحاء فيجعل سترة على رأسه فيقول يا سيدى فلان إن رد غائبى أو عوفى مريضى أو قضيت حاجتى فلك من الذهب كذا، من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء كذا أو من الشمع كذا، أو من الزيت كذا.

فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه.

منها أنه نذر لمخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة والعبادة لا تكون للمخلوق.

ومنها أن المنذور له ميت والميت لا يملك.

ومنها أن ظن (ولعل الصواب أنه ظن) . أن الميت يتصرف فى الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر اللهم إلا إن قال يا ألله إنى نذرت لك إن شفيت مريضى أو رددت غائبى أو قضيت حاجتى أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعى أو بباب الإمام الليث أو أشترى حصرا لمساجدهم أو زيتا لوقودها أو دراهم لمن يقوم بشعائرها إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله عز وجل.

وذكر الشيخ إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده أو جامعه فيجوز بهذا الاعتبار إذ مصرف النذر الفقراء وقد وجد المصرف ولا يجوز أن يصرف ذلك لغنى غير محتاج ولا لشريف ذى منصب لأنه لا يحل له الأخذ مالم يكن محتاجا فقيرا ولا الذى النسب لأجل نسبه مالم يكن فقيرا ولا لذى علم لأجل علمه مالم يكن فقيرا.

ولم يثبت فى الشرع جواز الصرف للأغنياء للإجماع على حرمة النذر للمخلوق ولا ينعقد ولا تشغل الذمة به ولأنه حرام بل سحت ولا يجوز لخادم الشيخ أخذه ولا أكله ولا التصرف فيه بوجه من الوجوه إلا أن يكون فقيرا أو له عيال فقراء عاجزون عن الكسب وهم مضطرون فيأخذونه على سبيل الصدقة المبتدأة، فأخذه أيضا مكروه مالم يقصد به الناذر التقرب إلى الله تعالى وصرفه إلى الفقراء بقطع النظر عن نذر الشيخ.

فإذا علم هذا. فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربا إليهم فحرام بإجماع المسلمين مالم يقصدوا صرفه للفقراء الأحياء قولا واحدا انتهى - والظاهر لنا أن هؤلاء العوام وإن قالوا بألسنتهم إنى نذرت لله أو تصدقت لله فمقصدهم فى الواقع ونفس الأمر إنما هو التقرب إلى الأولياء والصالحين وليس مقصدهم التقرب إلى الله تعالى وحده ولم يبتغوا بذلك وجهه.

ولقد صدق حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن قراعة رحمه الله تعالى إذ يقول فى رسالته التى ألفها فى النذور وأحكامها ما أشبه ما يقدمون من قربان وما ينذرون من نذور وما يعتقدون فى الأضرحة وساكنيها بما كان يصنع المشركون فى الجاهلية وما يغنى عنهم نفى الشرك عنهم بألسنتهم.

وأفعالهم تنبئ عما يعتقدون من أن هؤلاء الأولياء لهم نافعون ولأعدائهم ضارون انتهى وقد جاء فى سبل السلام شرح بلوغ المرام ما نصه وأما النذور المعروفة فى هذه الأزمنة على القبور والمشاهد والأموات فلا كلام فى تحريمها لأن الناذر يعتقد فى صاحب القبر أنه ينفع ويضر ويجلب الخير ويدفع الشر ويعافى الأليم ويشفى السقيم وهذا هو الذى كان يفعله عباد الأوثان بعينه فيحرم كما يحرم النذر على الوثن ويحرم قبضه لأنه تقرير على الشرك ويجب النهى عنه وإبانة أنه من أعظم المحرمات وأنه الذى كان يفعله عباد الأصنام.

لكن طال الأمد حتى صار المعروف منكرا والمنكر معروف انتهى وجاء فى الروضة الندية وشرحا ومنه رأى من النذر غير الصحيح النذر على القبور لكون ذلك ليس من النذر فى الطاعة ولا من النذر الذى يبتغى به وجه الله تعالى بل قد يكون من النذر فى المعصية إذا كان يسبب عنه اعتقاد فاسد فى صاحب القبر كما يتفق ذلك كثيرا انتهى ولو عبر صاحب الروضة بقوله بل هو نذر فى المعصية إذ يتسبب عنه اعتقاد فاسد فى صاحب القبر لكانت العبارة أو فى بما هو الواقع عند العوام وقد أطال القول فى ذلك الشوكانى فى رسالته المسماة شرح الصدور فى تحريم رفع القبور ولولا خشية الملل لذكرناه.

وما ذكرناه فيه الكفاية. مما ذكر يتبين أن نذر العوام لأرباب الأضرحة أو التصدق لهم تقربا إليهم وهو ما يقصده هؤلاء الجهلة مما ينذرونه أو يتصدقون به حرام بإجماع المسلمين والمال المنذور أو المتصدق به يجب رده لصاحبه إن علم.

فإن لم يعلم فهو من قبيل المال الضائع الذى لا يعلم له مستحق فيصرف على مصالح المسلمين أو على الفقراء ولا يتعين فقير بصرفه إليه فليس لفقير معين ولو كان خادما للضريح أو قريبا لصاحبه حق فيه قبل القبض.

ومن قبض منهما شيئا وكان فقيرا فإنما تملكه بالقبض ولا يجوز لغنى أن يتناول منه شيئا فإذا تنازل منه شيئا لا يملكه ووجب رده على مصارفه.

ومن هذا يعلم أنه ليس للمتنازلة المذكورة حق فيما يوضع فى الصندوق المذكور من الأموال فإذا تنازلت فإنما تتنازل عن شىء لم يثبت لها شرعا.

وعلى فرض أن لها حقا فيه فليس هذا الحق من الحقوق التى تقبل التنازل والتمليك أو التى تنتقل بالإرث عنها لورثتها.

وبهذا علم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015