F عبد المجيد سليم.
شعبان 1356 هجرية - 31 أكتوبر 1937 م
Mيجوز تشريح جثة الميت إذا كان فيه مصلحة، سواء أكانت للقتيل لإثبات التهمة على القاتل، أو كانت للمتهم لإثبات براءته من التهمة
Q إذا كانت الوفاة بالسم.
فهل يجوز تشريح الجثة بعد الوفاة بمعرفة إدارة التحقيق فى حالة الوفاة المشكوك فيها والتى ليست طبيعية
صلى الله عليه وسلمn اطلعنا على الترجمة العربية لخطاب حضرة سكرتير مجلس بوبال بالهند المؤرخ فى 17 أغسطس سنة 1937 الوارد إلينا بكتاب وزارة الحقانية.
رقم 4246 المؤرخ فى 5 سبتمبر سنة 1937 بشأن الاستفتاء عن تشريح جثة الميت فى حالة الوفاة غير العادية، مثل الوفاة بالسم، ونفيد أننا لم نجد بعد البحث فى كتب الفقهاء تعرضا لهذا الموضوع، وما وجدناه لهم هو موضوع شق بطن من ماتت وولدها حى أو بالعكس، وموضوع شق البطن لإخراج مايكون قد ابتلعه الميت من مال قبل وفاته.
فقال علما الحنفية فى الموضوع الأول.
أنه إذا ماتت امرأة حامل واضطرب فى بطنها شىء وكان رأيهم أنه ولد حى شق بطنها لأن هذا وإن كان فيه إبطال لحرمة الميت ففيه صيانة لحرمة الحى وهو الولد فيجوز.
وإذا مات الولد فى بطن أمه وهى حية فإن خيف على الأم قطع وأخرج بأن تدخل القابلة يدها وتقطعة بآلة بعد تحقق موته.
أما لو كان الولد حيا فلا يجوز تقطيعه، لأن موت الأم به موهوم، فلا يجوز قتل آدمى حى الأمر موهوم.
والمأخوذ من كلامهم فى الموضوع الثانى. أن المال إما أن يكون للميت أو لغيره.
فإن كان له يشق بطنه لاستخراجه. لأن حرمة الآدمى وإن كان ميتا أعلى من حرمة المال.
ولا يجوز إبطال حرمة الأعلى لصيانة حرمة الأدنى.
وكذلك الحكم فيما إذا كان المال لغيره وقد ترك الميت مالا فإنه لا يشق بطنه فى هذه الحالة أيضا بل تدفع قيمة المال مما تركه الميت إلى صاحبه.
أما إذا كان المال لغيره ولم يترك الميت مالا فإنه يشق، لأن حق الآدمى مقدم على حق الله تعالى، ومقدم على حق الظالم المتعدى.
وقد زالت حرمة هذا الظالم بتعديه على مال غيره هذا مذهب الحنفية فى الموضوعين.
وأما مذهب الشافعى. فخلاصته فى المسألة الأولى.
أنه إذا ماتت امرأة وفى جوفها جنين حى شق جوفها وأخرج إن كان يرجى حياته بعد الإخراج، بان يكون له ستة أشهر فصاعدا أما إذا كان لا يرجى حياته بعد الإخراج فالأصح أنه لا يشق بطنها.
وخلاصة مذهبه فى المسألة الثانية أن المشهور للأصحاب إطلاق الشق حينئذ من غير تفصيل إذا كان المال لغيره وطلبه، قال بعضهم إنه يشق جوفه إذا لم يضمن الورثة مثله أو قيمته.
أما إذا بلع جوهرة لنفسه فلها وجهان مشهوران الأول أنه يشق والثانى أنه لا يشق.
والخلاصة أن عند الشافعية رأيا بالشق مطلقا لاستخراج المال من الجوف.
هذه خلاصة ما نقله الإمام النووى فى شرح المهذب، وقد نقل فيه عن أبى حنيفة وسحنون المالكى أنه يشق مطلقا فى مسألة المال.
وقد علمت مذهب الحنفية فى ذلك، ونقل عن أحمد وابن حبيب المالكى أنه لا يشق.
والذى وجدناه فى كتب السنة ماجاء فى السنن الكبرى للبيهقى وسنن أبى داود وسنن ابن ماجة عن عائشة أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كسر عظم الميت ككسره حيا قال السيوطى فى بيان سبب الحديث مانصه.
عن جابر خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنازة فجلس النبى صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا معه فأخرج الحفار عظما ساقا أو عضدا فذهب ليكسرها.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم لاتكسرها، فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيا، ولكن دسه فى جانب القبر انتهى - وبهذا الحديث استدل من قال من الفقهاء بعدم جواز شق بطن الميت لاستخراج مافيه من مال مطلقا.
والذى يقتضيه النظر الدقيق فى قواعد الشريعة وروحها أنه إذا كانت هناك مصلحة راجحة فى شق البطن وتشريح الجثة من إثبات حق القتيل قبل المتهم أو تبرئة هذا المتهم من تهمة القتل بالسم مثلا أنه يجوز الشق والتشريح ولا ينافى هذا ما جاء فى الحديث الشريف من قوله عليه الصلاة والسلام كسر عظم الميت ككسره حيا فإن الظاهر أن معنى هذا الحديث أن للميت حرمة كحرمة الحى فلا يتعدى عليه بكسر عظم أو شق بطن أو غير ذلك لغير مصلحة راجحة أو حاجة ماسة، ويؤيد ذلك ما نقلناه عن السيوطى فى بيان سبب الحديث، فإنه ظاهر أن الحفار الذى نهاه النبى صلى الله عليه وسلم عن كسر العظم كان يريد الكسر بدون أن تكون هناك مصلحة فى ذلك ولاحاجة ماسة إليه، وبما قلناه ينفق معنى الحديث الشريف وقواعد الدين الإسلامى القويم، فإنها مبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد من هذا الضرر على أن الظاهر الآن أنه يجوز شق بطن الحى إذا ظن أنه لا يموت بهذا الشق وكان فيه مصلحة له.
ولعل الفقهاء لم ينصوا على مثل هذا،بل أطلقوا القول فى تحريم شق بطن الحى، لأن فن الجراحة لم يكن قد تقدم فى زمنهم كما هو الآن وبهذا علم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم