F حسنين محمد مخلوف.
ذو الحجة 1372 هجرية 31 أغسطس 1953 م
M 1 - الملكية الفردية محترمة فى الإسلام وتحميها أحكامه.
2 - الشيوعية إلحاد وإشاعة للفاحشة فى المجتمع، وتقويض لنظام الأسرة، وقضاء على الحريات وعلى الملكية الفردية.
3 - الإسلام وسط بين الشيوعية والرأسمالية فوق أنه دين الله.
4 - معتنق الشيوعية كافر لتكذيبه ما أجمعت عليه الرسالات السماوية
Q من السيد رئيس نيابة أمن الدولة
صلى الله عليه وسلمn ورد إلينا كتاب النيابة رقم 49/917 المؤرخ 11/8/1953 المتضمن أن محامى المتهم الحادى عشر فى قضية الجناية العسكرية رقم 490 عليا سنة 1952 شيوعية طلب من المحكمة ضم الفتاوى الصادرة من دار الإفتاء بشأن (تحديد الملكية) من سنة 1944 فطلبت منا المحكمة موافاتها بها قبل جلسة 5/9/1953 ونفيد: أولا - بأنا قد بينا فيما أدلينا به أمام المحكمة العسكرية العليا - بجلسة 9/8/1953 أن من أخطر المبادئ التى قامت عليها الشيوعية إحلال الإلحاد واللادينية محل الأديان السماوية - وإشاعة الإباحية الفاحشة فى المجتمع وتقويض نظام الأسرة وفصم روابطها والقضاء على الحريات الإنسانية فى كل مظاهرها - وإلغاء الملكيات الفردية للعقار إلغاء تاما - وانتزاع جميع الأرض من ملاكها وجعلها ملكا للدولة وإلجاء الشعوب إلى نوع من الحياة لا يمتاز عن حياة سوائم الأنعام - وتطبيق كل ذلك بالقهر والجبروت - فكانت الشيوعية هادمة لا بانية - باغية لا عادلة - عذابا لا رحمة - نقمة لا نعمة - ثم هى بعد ذلك كذب ومخادعة واستغلال وإذلال.
والشريعة الحنيفية السمحة التى من أصولها وجوب المحافظة على الدين والعقل والنفس والمال والعرض - ومن مبادئها احترام الحقوق وتقرير الحريات العامة للانسان تنكر كل ذلك أشد الإنكار - وترى اعتناقه كفرا بواحا لتكذيبه ما أجمعت عليه الرسالات السماوية وأخصها الرسالة المحمدية الجامعة بين خيرى الدين والدنيا، ولأفضل منهاج للاجتماع والعمران، وهى أعم رسالة وأشملها وأوفاها وأكملها.
ثانيا - إن الشيوعية وقد ألغت الملكية الفردية وحرمتها على الشعوب فى بلادها وفيما اجتاحته من البلاد ظلما وعدوانا لا يمكن بداهة أن تقر مبدأ تحديد الملكية الفردية على أية صورة وفى أى نطاق، إذ فيه إثبات ووجود للملكية أما الإلغاء فهو نفى ومحولها.
ثالثا - ونحن من وضوح ما شرحناه أمام المحكمة من أنه لا شأن لنا بوقائع القضية ولا بأشخاص المتهمين ولا بالشهادة لهم أو عليهم وأن مهمتنا بيان حكم الإسلام فى مبادىء الشيوعية - لا نرى بدا من الإشارة إلى التباين الظاهر بين إلغاء الملكية وتحديد الملكية ولا يسوغ إقحام موضوع تحديد الملكية فى هذه القضية لبعده عنها كل البعد.
رابعا - فى أوائل سنة 1948 وزعت منشورات فى طول البلاد وعرضها جاء بها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وضع العلاج لما تعانيه مصر من التباين الشاسع فى توزيع الملكيات، فأوجب تحديد الملكية الفردية بطاقة الإنسان على زرع أرضه بحيث لا يجوز له أن يتملك سوى القدر الذى يكفيه ليعيش الكفاف وما زاد عن ذلك يجب أن يعطيه مجانا للمعدمين، ويحرم عليه استغلاله بالإيجار أو المزارعة وجاء فيها أن الإسلام يحارب الشيوعية اللادينية والرأسمالية الإقطاعية، وأن ما وضعه الرسول هو العلاج الوسط لهذه المشكلة.
وقد طلبت وزارة الداخلية فى 9 مارس سنة 1948 منا بيان حكم الشريعة الإسلامية فى ذلك فأفتينا فى 3 أبريل سنة 1948 بما خلاصته: 1 - إن المبادئ الشيوعية المعروفة لا شك أن الإسلام ينكرها كل الإنكار وأن الرأسمالية إذا احتكرت الملكية بطبقة معينة وحصرتها فيها مع تحريمها على سائر أفراد الأمة فالإسلام لا يقرها - وأما إذا لم تحتكر الملكية وأبيح التملك لكل فرد فى الأمة فمن المجازفة القول بأن الإسلام يحاربها.
2 - إن الإسلام وقد أباح الملكية الفردية واحترمها مسايرة لسنن الوجود ومقتضيات العمران أوجب بجانب ذلك على الأغنياء فى أموالهم ومنها ما تثمره أراضيهم حقوقا معلومة للفقراء والمساكين وذوى الحاجة لينعم الكل فى ظل هذا النظام بطيب العيش والهناء، وحث على المزيد من ذلك فى القرآن والسنة - وبدهى أن هذا ضد ما قامت عليه الشيوعية من إلغاء الملكية الفردية إلغاء تاما، وانتزاع الأراضى من أهلها بالقوة وجعلها ملكا للدولة، وهو فى الوقت نفسه ضد الرأسمالية التى تحتكر الملكية.
3 - إن الإسلام قد ترك الناس أحرار فى البيع والشراء والتأجير والمزارعة وسائر التصرفات الناشئة عن الملكية بصورها المختلفة، ولم يقيدهم فى ذلك إلا بما يكفل صحة العقود ويدفع التنازع والتخاصم وأكل الأموال بالباطل مع وجوب أداء حقوق المال لمستحقيها أخذا بالسنن الاجتماعية والنواميس الطبيعية، وعملا بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين.
4 - فمن الكذب على الإسلام وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه أنه أوجب تحديد الملكية الفردية بطاقة الإنسان الزراعية بحيث لا يجوز له أن يملك إلا ما يزرعه بنفسه بقدر عيش الكفاف - وأنه يوجب عليه أن يمنح ما زاد عن طاقته للمعدمين مجانا - ومن الكذب على الإسلام ورسوله أن ينسب إليه أن الإسلام يحجر على الإنسان أن يستغل أرضه بالتأجير أو المزارعة - وقد بينا الأسانيد فى ذلك والخطأ الواضح فى تفسير بعض الأحاديث الواردة فى هذه الشأن وحملها على غير ما أريد منها.
5 - وأشرنا فى ثنايا الفتوى غلى أن وجود طبقة غنية وطبقة فقيرة فى كل أمة أمر طبيعى لا مندوحة عنه قضى به تفاوت الناس فى القوى والمدارك والآمال والعمل والإنتاج والنشاط والخمول.
وقد قال تعالى {والله فضل بعضكم على بعض فى الرزق} النحل 71، وقال {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} الرعد 26، وقال {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} التوبة 60، وقال {إن تبدوا الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} البقرة 271، ففى إيجاب الزكاة على الأغنياء للفقراء وفى الحث على التصدق والإنفاق والبر والإحسان والمعونة والمواساة فى القرآن والسنة دليل واضح على تفاوت الناس بالغنى والفقر - وتلك سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا - والتفكير فى تسوية الناس فى المال ضرب من والهم والخيال، بل نوع من الخداع والتضليل ينادى به دعاة الشيوعية لاجتذاب الدهماء والتأثير فى عقول البلهاء.
6 - وخلاصة الفتوى أن النظام المالى فى الإسلام يحترم حق الملكية الفردية ويبيح للمالك حق التصرف فى ملكه بما يشاء من أنواع التصرف ولا يوجب عليه أن يمنح ما زاد عن ذلك مجانا للناس.
وأن ما نسب فى هذه المنشورات للإسلام ورسوله كذلك صراح وهو ليس بعلاج كما ظنوا وإنما علاج مشاكلنا كلها فى اتباع صريح القرآن والسنة وتعاليم الإسلام الحنيف، لا بمبادىء الشيوعية الهادمة ولا بالتمكين للرأسمالية الظالمة، ولا بما جاء بمثل هذه المنشورات الكاذبة.
وفى التشريع الإسلامى من الوسائل لسعادة الفرد والأمة اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وسياسيا ما يغنى المسلمين إذا أخذوا به جملة وتفصيلا عن مذاهب وآراء استحدثها الغرباء عنه، وأولع بها الجهلاء به وهى بعيدة كل البعد عن عقائدنا وتقاليدنا وتراثنا الإسلامى الخالد والإسلام يمتاز بأنه دين فطرى، ونظام اجتماعى، وتشريع مدنى صنع الله الذى أتقن كل شىء، يهدف إلى بناء دولة وإقامة أمة لها من مقومات الحياة القوية ما يكفل البقاء أمد الدهر - ويقر كل نظام صالح ولا ينكر إلا ما فيه مفسدة ظاهرة للفرد أو الجماعة - وقد وضع الحدود وأقام المعالم للمصالح والمفاسد بما أمر به ونهى عنه قطعا لعذر الجاهل أو المتجاهل، قال جل شأنه {وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} الأنعام 153، وقال تعالى {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} البقرة 229.
7 - هذه خلاصة الفتوى التى طبعت ونشرت فى أواخر أبريل سنة 1948 فى موضوع هذا الاستفتاء.
ومنها يتبين أنها لم تتعرض إلا (1) لمبدأ إلغاء الملكية رأسا وهو المبدأ الشيوعى - (2) ولتحديد الملكية بحيث لا يملك الإنسان إلا ما يفى بعيش الكفاف فقط - مع وجوب تنازله بالمجان عما زاد عن ذلك للمعدمين، وهو ما ألصق بالإسلام كذبا فى هذه المنشورات وبينت الفتوى أن كليهما ليس من الإسلام فى شىء - ومرفق بهذا البيان سبع نسخ مطبوعة من هذه الفتوى الصادرة من دار الإفتاء فى 23 جمادى الأولى سنة 1367 هجرية الموافق 3 أبريل سنة 1948 م برقم 109 سجل 59 لسنة 1948.
وفيما ذكرنا خلاصة وافية لها.
والسلام عليكم ورحمة الله