F حسن مأمون.
جمادى الآخرة 1379 هـ- - 2 ديسمبر 1959 م
M 1 - التوبة النصوح هى الندم على الذنب حين يقع مع الاستغفار وعدم العودة إليه أبدا.
2 - التوبة واجبة على كل مسلم على الدوام وفى كل حال، ويجب أن تكون فى وقت يستطيع فيه المذنب أن يعمل من الحسنات ما يمحو به السيئات قبل أن تصل حياته إلى نهايتها.
3 - التوبة النصوح تلحق صاحبها بمن لم يرتكب معصية أصلا إذا صدرت من المذنب فى وقتها مستوفية لشروطها، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
4 - من قتل ظلما فوجب عليه القصاص فذهب مختارا إلى ولى الدم معترفا بجرمه فاقتص منه كان ذلك منه توبة مقبولة.
5 - من أنكر الذنب حتى أخذت الأدلة بتلابيبه، فحكم عليه بالإعدام قصاصا فتاب وهو فى طريقة إليه لا تقبل توبته، ولا تنجيه من ذنبه الذى أخذ به فى الدنيا.
6 - ما جرى عليه العمل من تلقين التوبة للمذنب عند التنفيذ عليه بالإعدام لا يقطع بقبولها، إلا إذا كان المذنب قد سبقت له التوبة بعد ارتكاب الذنب مستسوفية شرائطها، حيث يكون التلقين الأخير من قبيل التوبة عن هذا الذنب
Q بالطلب المقيد برقم 1445 سنة 1959 أنه عند تنفيذ حكم الإعدام فى مذنب يأتى واعظ السجن يلقنه بعض كلمات يستغفر الله فيها ويتوب مما قدمت يداه، وأن الله تعالى يقول فى سورة النساء {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما.
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار} النساء 17، 18، وسأل هل توبة المذنب واستغفاره لحظة الموت صحيحة وهل الواعظ وهو يلقى عبارات التوبة والوعظ فى مقامهما وطلب بيان الحكم مدعما بالأسانيد، شاملا القتلة وغيرهم من المذنبين الذين يرتكبون جرائم يحكم عليهم بسببها بالإعدام
صلى الله عليه وسلمn إن التوبة شرعا هى الندم على ارتكاب الإثم، والعزم الصادق على ترك العود إليه، فقد ورد فى الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (التوبة النصوح الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله تعالى ثم لا تعود إليه أبدا) وقال عليه السلام فيما روى عن ابن مسعود - (التوبة من الذنب أن لا تعود إليه أبدا) فمتى وجد العزم والندم الصادقان من المؤمن المذنب على ترك المعصية، وعدم العود إليها، ذلا لله وخوفا من عقابه كانت توبته حينئذ صحيحة، ونرجو أن تكون منجية له من العذاب إن شاء الله.
قال تعالى {وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات} الشورى 25، وقال تعالى {وإنى لغفار لمن تاب} طه 82، وهذا وعد من الله لمن أخلص النية فى التوبة من الذنب والندم عليه، ووعده الحق سبحانه لا يتخلف، فضلا منه ورحمة.
وقال الغزالى فى إحياء العلوم فى باب التوبة من الجزء الحادى عشر وهى (أى التوبة) واجبة على كل مسلم على الدوام وفى كل حال، لأن البشر قلما يخلو عن معصية بجوارحه، فإنه إن خلا فى بعض الأحوال عن معصية الجوارح، فلا يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب فإن خلا فى بعض الأحوال من الهم، فلا يخلو عن وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله ن وإن خلا عن ذلك كله فلا يخلو عن غفلة وقصور فى العلم بالله وصفاته وأفعاله، ولكى تكون التوبة مقبولة يجب أن تكون فى وقت يستطيع المذنب فيه أن يعمل من الحسنات ما يمحو به سيئاته، قبل أن تصل به حياته إلى نهايتها، وتزايله كل ما كان فيه من قوة على اختيار ما ينفعه، حينئذ يتجرع غصة اليأس عن تدارك ما فاته ولا يجد إلى إصلاح حاله سبيلا بعد أن تقطعت من حوله كل السبل على أن يعمل.
وأن يعمل خيرا يزيل آثامه، ويجده خيرا فى أخراه عملا بقوله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} هود 114، وقوله عليه السلام (أتبع السيئة الحسنة تمحها) وإلى ذلك يشير قوله تعالى {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن} وقوله تعالى {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} فإن معنى القريب - قرب العهد بالخطيئة بأن يندم عليها بعد ارتكابها مباشرة، أو بعده بقليل ويمحو أثرها بالحسنات يردفها بها قبل أن يتراكم الرين على قلبه، فلا يقبل المحو منه.
فالتوبة النصوح إذا صدرت من المذنب فى وقتها مستوفية شروطها تلحق التائب بمن لم يرتكب المعصية أصلا.
لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
فمن قتل ظالما بقتله ووجب عليه القصاص شرعا وذهب مختارا إلى ولى الدم معترفا بجرمه، واتقص منه ولى الأمر كان ذلك منه توبة مقبولة.
يدل لذلك ما روى أن ماعزا لما جاء إلى النبى عليه السلام معترفا بأنه زنى وطلب من الرسول أن يجده، رده عليه السلام، فعاد إليه ثانية فرده فعاد إليه الثالثة، فأمر به فرجم.
فكان الناس فيه فريقين، فقائل يقول لقد هلك وأحاطت به خطيئته.
وقائل يقول ما توبة أصدق من توبته. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمته لوسعتهم) وروى أيضا أن الغامدية جاءت الرسول عليه السلام فقالت إنى قد زنيت فطهرنى، فردها، فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تردنى لعلك تريد أن ترددنى كما رددت ماعزا، فوالله إنى لحبلى، فقال عليه السلام أما الآن فاذهبى حتى تضعى فلما ولدت أتت بالصبى فى خرقة، فقالت هذا قد ولدته قال اذهبى فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت بالصبى وفى يده كسرة خبز، فقالت يا نبى الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرض رأسها فتضح الدم على رأسه فسبها، فسمع رسول الله عليه السلام سبه إياها فقال مهلا يا خالد، فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ن ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت - أما من لاذ بذنبه فارا به منكرا له حتى أخذت الأدلة بتلابيبه فقضى بإقامة الحد عليه وتاب وهو فى طريقه إلى ساحة القصاص، لم تقبل توبته ولم تكن منجية له من ذنبه الذى اقترفه، لأنها توبة لم تستكمل شرائطها شرعا.
فالقاتل الذى لاذ بالفرار متخفيا بجرمه، وأقيمت عليه الدعوى بأنه قتل فلانا عمدا عدوانا، فأنكر فقامت عليه البينة القاضية بالقصاص منه، أو اعترف رغما منه بعد أن حاطته هذه الأدلة، ولم تترك له إلا سبيل الاعتراف بذنبه بعد أن يئس من التخلص منه، وقضى عليه عندئذ بالقصاص، ثم تاب وهو فى طريقه إلى حبل المشنقة لم تقبل توبته، لأنها أيضا لم تستوف شرائط قبولها شرعا، وهكذا كل كبيرة يتوب منها المذنب وهو فى حال يستطيع معه أن يأتى من الحسنات ما يمحو إثمه، فإن توبته فى هذه الحال تكون مقبولة بإذن الله.
وإن لم يتب حتى جر إلى ساحة القصاص فتاب عندئذ لم تقبل توبته شرعا.
وما جرى عليه العمل من تلقين التوبة للقاتل وقت تنفيذ حكم الإعدام عليه لا يقطع بقبول هذه النوبة.
بل ينظر، فإن كان هذا المذنب قد سبقت له التوبة من هذا الذنب بعد ارتكابه، وكانت توبته فى وقتها مستوفية شروطها، كان تلقينه التوبة حينئذ من قبيل تكرار التوبة عن هذا الذنب، وإن لم يكن سبقت له التوبة من جرمه قبل القضاء عليه بالقصاص، وسوقه إلى إقامة الحد عليه لم تفده توبته، لأنها جاءت فى غير وفتها مجردة عن شروط قبولها.
أعاذنا الله من الإثم، وهدانا إلى سواء السبيل.
والله الموفق، والله أعلم