F عبد المجيد سليم.
شعبان 1356 هجرية 31/10/1937 م
M 1 - اختلف العلماء فى كيفية استيفاء القود.
فذهب الكثير منهم إلى أنه يقتل بمثل ما قتل به القتيل إلا إذا كان قد قتله بمحرم كإيجاره الخمر فلا يجوز ذلك.
لما جاء بالفتوى من أدلة قرآنية وأحاديث نبوية.
وذهب علماء الكوفة ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن القصاص لا يكون إلا بالسيف لحديث لا قود إلا بالسيف وغيره.
2 - الظاهر من مذهب الحنفية هو عدم إرادة منع الاستيفاء بغير السيف إذا كان غيره أسهل وأيسر فى إزهاق الروح.
3 - إذا كان الاستيفاء بغير السيف أيسر وأسرع، فإنه يجوز الاستيفاء به بدلالة نص الحديث (لا قود إلا بالسيف إذا كان غيره مثله فى يسر وسرعة إزهاق الروح، ولأن العلة فى كون القصاص بالسيف هى أن القتل به أيسر وأسهل.
فإذا وجد نوع من القتل بطريقة لم تكن معهودة وكانت أسرع فى إزهاق الروح، فالظاهر أنه يجوز بها.
بدلالة نص الحديث. 4 - إذا كان القتل بالمشنقة أسرع وأسهل من القتل بالسيف جاز ذلك
Q من حضرة سكرتير مجلس ولاية بهويال بالهند والى محمد بما ترجمته حسبما ورد من وزارة الحقانية بكتابها رقم 5007 46 21 6 فى 24 أكتوبر سنة 1937.
سيدى العزيز تحية واحتراما وبعد فإن عقوبة الإعدام تنفذ فيمن يحكم عليهم بها فى الولايات الإسلامية الهامة فى الهند مثل بهويال وحيدر اباد ونوتسك وخير بور وغيرها على أنها قصاص.
وذلك بمباشرة فصل الرأس عن الجسم بترا بالسيف.
ويرى بعضهم أن هذه الطريقة فيها شىء من القسوة. ويقترحون استبدالها بطريقة الإعدام شنقا.
ولكن أئمة الدين الإسلامى وعلماءه يخالفونهم فى الرأى ويرون التمسك بالطريقة المعمول بها قديما وهى استخدام السيف فى فصل الرأس عن الجسم عند إعدام المحكوم عليه.
فحبذا لو تكرمتم بإفادتى بما هو متبع فى مصر وتركيا وإيران وتونس ومراكش وبما يراه المبرزون من رجال الدين بمصر فى هذه النقطة.
وإننى أستميحكم العذر وأرجو أن تتفضلوا بقبول شكرى سلفا مع عظيم احتراماتى
صلى الله عليه وسلمn اطلعنا على الترجمة العربية لكتاب حضرة سكرتير مجلس ولاية بهويال بالهند المؤرخ 18 أغسطس سنة 1937 الوارد إلينا مع كتاب وزارة الحقانية رقم 5007 المؤرخ 24 أكتوبر سنة 1937 بشأن الاستفتاء عن تنفيذ القصاص بغير السيف.
ونفيد أن علماء المسلمين قد اختلفوا فى كيفية استيفاء القود.
فذهب كثير من العلماء إلى أنه يقتل القاتل بمثل ما قتل به المقتول إلا إذا كان قتله بشىء محرم شرعا كإيجاره الخمر فإنه لا يجوز أن يقتل بذلك.
وقد استدلوا على مذهبهم بظاهر قوله تعالى {ولكم فى القصاص حياة} البقرة 179، فإن كلمة القصاص تنبئ عن معنى المماثلة والمساواة وبقوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} النحل 126، وبقوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} البقرة 194، وبقوله تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} الشورى 40، وبما رواه الجماعة غير أنس أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا فلان أو فلان حتى سمى اليهودى فأومأت برأسها فجئ به فاعترف فأمر به النبى صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بحجرين وبما أخرجه البيهقى والزار عنه صلى الله عليه وسلم ت من حديث البراء وفيه ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه فدلت ظواهر الآيات الكريمة وما ورد من الأحاديث على أنه يثبت لولى القتيل حق استيفاء القود بمثل ما قتل به المقتول.
وذهب علماء الكوفة ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن القصاص لا يكون إلا بالسيف.
واستدلوا بما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله لا قود إلا بالسيف وهذا الحديث قد روى من طرق يقوى بعضها بعضا فيكون حسنا يقبل الإثبات به.
وقد بين الشيخ علاء الدين الماردينى الشهير بابن التركمانى فى كتابه الجوهر النقى طرقه، ثم قال فهذا الحديث قد روى من وجوه كثيرة يشهد بعضها لبعض فأقل أحواله أن يكون حسنا فلا يضر حينئذ تضعيف بعض المحدثين لسند هذا الحديث.
وبما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته فأمر النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث بأن يحسنوا القتلة وإحسان القتلة لا يكون بغير ضرب العنق بالسيف، كما أمر أن يريحوا ما أحل الله ذبحه من الأنعام.
فما الظن بالآدمى المكرم المحترم. وقد أجابوا عن ظواهر الآيات الكريمة بأن المراد بالمثلية فيها هو المثلية فى مجرد إزهاق الروح، ولا تتناول الآلة لأن استعمال غير السيف يؤدى إلى الاعتداء المنهى عنه فى غير مآربه.
فإذا قتل شخص آخر بالضرب مثلا فمات بضربتين واستوفينا القصاص بالضرب أيضا وضرب القاتل حتى مات فجاز ألا يموت إلا بأكثر من ضربتين.
وفى ذلك مجاوزة للحد.
ولو ضربناه ضربتين وقتلناه بالسيف كان فى ذلك مجاوزة للحد.
ولو ضربناه ضربتين وقتلناه بالسيف كان فى ذلك مجاوزة للحد أيضا، وأجابوا عن حديث اليهودى الذى رض رأسه بأنه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون هذا الرض كان مشروعا ثم نسخ، كما نسخت المثلة بالنهى عنها.
الثانى أن يكون اليهودى ممن سعى فى الأرض بالفساد فيقتل كما رآه الإمام ليكون أردع وهذا هو الظاهر.
فإن قصد اليهودى كان أخذ المال.
فقد روى عن أنس ابن مالك رضى الله عنه أنه قال عدا يهودى على جارية فأخذ أوضاحا حليا كانت عليها، فيكون القتل على هذا ليس من باب القصاص الذى نحن بصدده وأما حديث ومن حرق حرقناه إلخ فقال البيهقى إن فى إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد فى خطبته.
قال الحنفية إن الثابت حينئذ من الآيات ومن السنة هو إتلاف نفس القاتل بأيسر الوجوه وأوحاها أى أسرعها وليس ذلك إلا بالسيف.
فلا يجوز استيفاء القصاص بالتحريق والتغريق والرضخ وما جرى مجرى ذلك.
هذه خلاصة أقوال فقهاء المسلمين فى هذا الموضوع. والذى يظهر لنا أن الحنفية ومن قال بمقالتهم لا يريدون إلا أنه لا يجوز القصاص بغير السيف مما يكون مظنة التعدى وتجاوز الحد فى القاص من التحريق والتغريق والضرب.
وما جرى مجرى ذلك. ولا يريدون أن يمنعوا استيفاء القود بغير السيف إذا كان غير السيف أيسر وأسهل وأسرع فى إزهاق روح القاتل.
كما يتبين هذا من استدلالهم بحديث إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة إلخ (وكما يتبين أيضا من حديث لا قود إلا بالسيف وذلك لأن هذا الحديث يفيد بمنطوقه أمرين أولهما.
أنه يجب استيفاء القصاص بالسيف الثانى أنه لا يجوز استيفاؤه بغيره مما لا يكون فى مثل سهولته ويسره.
ويفيد أيضا بطريق دلالة النص جواز القتل بغير السيف إذا كان غيره مثله فى سرعة إزهاق الروح ويسره أو أولى منه فى ذلك فإنه يفهم لغة من هذا الحديث أن العلة فى وجوب استيفاء القصاص بالسيف.
هى أن القتل به أيسر وأسهل، فإذا وجد نوع من القتل بطريقة لم تكن معهودة، وكانت هذه الطريقة أسرع فى إزهاق الروح وأسهل فظاهر أنه يجوز القتل بها بدلالة نص هذا الحديث.
وحينئذ. يكون القصر فى قوله عليه الصلاة والسلام لا قود إلا بالسيف من قبيل القصر الإضافى، والمقصود به أنه لا يستوفى القصاص بغير السيف مما فيه احتمال مجاوزة الحد.
والخلاصة أن الأدلة التى استدل بها الحنفية يظهر منها أنه يجوز القتل بغير السيف إذا كان القتل بغيره أسهل وأسرع فى إزهاق روح القاتل.
وعلى ذلك إذا كان القتل بالمشنقة علو وجه يكون أسرع وأسهل من القتل بالسيف جاز ذلك بمقتضى الأدلة التى استدل بها الحنفية، ويظهر من كلامهم أنهم يجوزون القتل بهذه الطريقة.
ومن أراد زيادة البيان فليرجع إلى ما قاله الجصاص فى كتابه آيات الأحكام فى باب كيفية القصاص من الجزء الأول، وما قاله عند قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} من آخر سورة النحل فى آخر الجزء الثالث من الكتاب، وإلى ما جاء فى باب الرجل يقتل رجلا كيف يقتل، من كتاب معانى الآثار للطحاوى فى الجزء الثانى، وإلى ما قاله الشوكانى فى باب قتل الرجل بالمرأة بالجزء السادس من نيل الأوطار وإلى شرح الزيلعى على الكنز.
هذا ما ظهر لنا فى هذاالموضوع.
والله سبحانه وتعالى أعلم