F عبد المجيد سليم.
جمادى الآخرة 1347 هجرية - 26 نوفمبر 1928 م
M 1- الكفر شىء عظيم فلا يحكم به على مؤمن متى وجدت رواية أنه لا يكفر.
ولا يكفر مسلم إلا إذا اتفق العلماء على أن ما أتى به يوجب الردة.
2- لا يكفر المسلم متى كان لكلامه أو فعله احتمال ولو بعيدا يوجب عدم تكفيره.
3- لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه.
4- ما يتيقن بأنه ردة يحكم بها عليه، وما يشك فى أنه ردة لا يحكم به ن لأن الإسلام الثابت لا يزول بالشك.
5- مناط التكفير هو التكذيب أو الاستخفاف بالدين.
6- مجرد لبس البرنيطة ليس كفرا، لأنه لا دلالة فيه على الاستخفاف بالدين ولا على التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة حتى يكون ذلك ردة إلا إذا وجد من لابسها شىء يدل دلالة قطعية على الاستخفاف أو التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة بأن ذلك يكون ردة.
7- كل من حبذ واستحسن ماهو كفر إذا وجد مه ما يدل على ذلك دلالة قطعية يحكم بكفره.
8- لابس البرنيطة قصد التشبه بغير المسلمين مع عدم ما يدل على الاستخفاف أو التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة يكون آثما ولا يحكم بكفره.
9- قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تشبه بقوم فهو منهم يحمل على أنه يكون كافرا مثلهم إن تشبه بهم فيما هو كفر كتعظيم يوم عيدهم تبجيلا لدينهم، أو لبس شعارهم قاصدا الاستخفاف بالدين وإلا فإنه يكون آثما مثلهم فقط.
10- يحرم التشبه بأهل الكتاب فيما كان مذموما وبقصد التشبه بهم.
11- لبس القبعة وغيرها بدون قصد التشبه بالكفار بل قصدا لدفع برد أو حر فلا إثم فى ذلك أبدا مادام لم يوجد منهم استخفاف أو تكذيب
Q من مفتى مدينة كملجة بما صورته أن أناسا قلائل ممن تسمى بأسماء المسلمين قد خلعوا منذ آونة أزياءنا وبرزوا بين ظهرانينا بالقبعة مع أننا سكان (تراكيا) الغربية المسلمين كنا ولا نزال فى سعة وحرية تامتين من جهة حكومتنا اليونانية ليس علينا أدنى حرج ولا نظره شزر إذا احتفظنا بأزيائنا القديمة وتقاليدنا الإسلامية وها أنا حاكم شرعى ومفت شرعى فى هذا البلد أحكم أفتى على منهج ديننا الحنيف حسبما فتح الله لى فى اجتهادى، لكن هؤلاء المتجددين لا يعبئون بنا وبمنهجنا الشرعى ويعتبروننا رجعيين إلى الخلف، ويقتدون فى تطوراتهم برئيس الجمهورية التركية محبذيه فى كل ما ابتدعه، وإنى بصفتى الرسمية لا أقر لهم ببدعهم ولا أوقع على وراثتهم من المسلمين ولا على زواجهم من المسلمات، فيسخطون على ويحسبون أنى حرمتهم حقوقهم وظلمتهم، وفى اعتقادى أنى لا أحكم فيهم بغير ما حكم به الشرع الإسلامى {وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} آل عمران 117، وبالجملة أنهم يريدون ألا يخضعوا لأقضيتى التى تحول بينهم وبين ميراث المسلمين ونساء المسلمين فيتخذوننى شكية عند الناس وعند الحكومة.
والحكومة لا تدرى المسألة الشرعية، فربما تقع فى خلدها شبهة منى ومن عدالتى وأمانتى، فإن كنت على حق فيما حكيته لكم فساعدونى رحمكم الله وأيدونى بكلمتكم الفصل، وإلا فدلونى على ما هو الحق الحقيق بالاتباع، أطال الله بقاءكم ومتعنا والمسلمين بعلومكم
صلى الله عليه وسلمn أما بعد.
فاعلم هدانى الله وإياك إلى الحق ورزقنا اتباعه وجنبنا الزلل فى القول والعمل.
أن علماءنا قالوا إن الكفر شىء عظيم، فلا نجعل المؤمن كافرا متى وجدنا رواية أنه لا يكفر، فلا يكفر مسلم إلا إذا اتفق العلماء على أن ما أتى به يوجب الردة، كما أنه لا يكفر مسلم متى كان لكلامه أو فعله احتمال ولو بعيدا يوجب عدم تكفيره.
فقد روى الطحاوى عن أبى حنيفة رحمه الله وأصحابنا أنه لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه، ثم ما يتيقن بأنه ردة يحكم بها له، وما يشك بأنه ردة لا يحكم بها.
إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك، مع أن الإسلام يعلو.
وينبغى للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام مع أنه يقضى بصحة إسلام المكره.
وقد قال صاحب جامع الفصولين بعد نقله هذه العبارة ما نصه (أقول قدمت هذه لتصير ميزانا فيما نقلته فى هذا الفصل من المسائل فإنه قد ذكر فى بعضها أنه كفر مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة فليتأمل) .
وقالوا أيضا إن مناط الكفر والإكفار التكذيب أو الاستخفاف بالدين، فقد نقل صاحب نور العين على جامع الفصولين عن ابن الهمام فى المسايرة أن مناط الإكفار هو التكذيب أو الاستخفاف بالدين.
وقد قال فى جامع الفصولين ما نصه (شد زنارا على وسطه ودخل دار الحرب للتجارة كفر قيل فى لبس السواد وشد الفائزة على الوسط ولبس السراغج ينبغى أن لا يكون كفرا استحسنه مشايخنا فى زماننا وكذا فى قلنسوة المغول إذ هذه الأشياء علامة ملكية لا تعلق لها بالدين.
إذا علمت هذا علمت أن مجرد لبس البرنيطة ليس كفرا لأنه لا يدل قطعا على الاستخفاف بالدين الإسلامى، ولا على التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة حتى يكون فى ذلك ردة.
نعم إذا وجد من لابس القبعة شىء يدل دلالة قطعية على الاستخفاف بالدين أو على تكذيب شىء مما علم من الدين بالضرورة كان ذلك ردة فيكفر.
وعلى ذلك يكفر كل من حبذ واستحسن ما هو كفر إذا وجد منه ما يدل على ذلك دلالة قطعية وإذا لبسها قاصدا التشبه بغير المسلمين ولم يوجد منه ما يدل على الاستخفاف بالدين ولا على التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة كان آثما فقط، لما روى أبو داود فى سننه حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا أبو النضر يعنى - هاشم بن القاسم - حدثنا عبد الرحمن بن ثابت حدثنا حسان ابن عطية عن أبى جنيب الجرشى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا إسناد جيد، وبين ذلك فى كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام (فهو منهم) أنه كافر مثلهم إن تشبه بهم فيما هو كفر كأن عظم يوم عيدهم تبجيلا لدينهم، أو لبس زنارهم أو ما هو من شعارهم قاصدا بذلك التشبه بهم إستخفافا بالإسلام، كما قيد به أبو السعود والحموى على الأشباه وإلا فهو مثلهم فى الإثم فقط لا فى الكفر كما فى الفتاوى المهدية، وإنما شرطنا فى الإثم قصد التشبه لأن فى الحديث ما يدل على ذلك إذ لفظة التشبه تدل على القصد.
ومن أجل ذلك قال صاحب البحر ما نصه ثم أعلم أن التشبه بأهل الكتاب لا يكره فى كل شىء فإننا نأكل ونشرب كما يفعلون إنما الحرام هو التشبه فيما كان مذموما وفيما يقصد به التشبه كذا ذكره قاضيخان فى شرح الجامع الصغير،وكتب ابن عابدين فى حاشيته على البحر تعليقا على هذا ما نصه أقول قال فى الذخيرة البرهانية قبيل كتاب التحرى قال هشام رأيت على أبى يوسف نعلين مخصوفين بمسامير فقلت أترى بهذا الحديد بأسا قال لا.
فقلت إن سفيان وثور بن يزيد رحمهما الله تعالى كرها ذلك، لأن فيه تشبها بالرهبان، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التى لها شعر، وإنها من لباس الرهبان فقد أشار إلى أن صورة المشابهة فيما تعلق به صلاح العباد لا تضر.
وقد تعلق بهذا النوع من الأحكام صلاح العباد، فإن الأرض ممالا يمكن قطع البعيدة فيها إلا بهذا النوع من الأحكام.
وعلى هذا فهؤلاء الناس الذين لبسوا القبعة آثمون إذا قصدوا من لبسها التشبه بالكفار، أما إذا لبسوها غير قاصدين التشبه بهم، كأن كان لبسهم إياها لدفع برد أو حر أو غير ذلك من المصالح فلا إثم.
وهذا كله إذا لم يوجد منهم ما يدل دلالة قطعية على استخفافهم بالدين، أو تكذيبهم بشىء مما علم من الدين بالضرورة وإلا كانوا كفارا مرتدين يحكم عليهم بأحكام المرتدين من عدم صحة أنكحتهم وعدم توريثهم من الغير إلى غير ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم