وسبب نزول هذه الآية أن صحابياً استضافه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجد عند أهله إلا الماء، فقال رجل من الأنصار: أنا أكْرِم ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب به إلى بيته، وقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: ما عندي إلا عشاء صبيتي، فقدمت العشاء لذلك الضيف! وبات هو وصبيته جياعاً تلك الليلة، فأنزل الله هذه الآية: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) .
وقد نُقل أن كثيراً من المهاجرين من الحجاز ومن العراق هاجروا إلى خراسان، فلما استوطنوا تلك البلاد -وكان أهلها من المجوس- وكانوا تجاراً فيها فإذا أصبحوا جاء أحد يشتري من بعضهم وقد سبق له أن باع في هذا اليوم فإنه يدلّه على أخيه الذي لم يبع ويقول: اذهب إلى ذلك الأخ فإنه لم يبع شيئاً اليوم، ولم يأته أحد من الزبائن، أما أنا فقد أتاني قبلك اثنان. فيؤثر أخاه بالزبائن على نفسه.
وما كانت نتيجة هذه الإيثار؟
أن تأثر الناس من أبناء تلك البلاد من الفرس وغيرهم بذلك، فدعاهم ذلك إلى الإسلام، وقالوا: إن ديناً حث أهله على أن يتخلقوا بهذه الأخلاق، ويتأدبوا بهذه الآداب. فلا شك أنه دين قوي دفعهم إلى هذه الأخلاق والآداب الكريمة؛ فدفعهم ذلك إلى اعتناق الإسلام تاركين ديانتهم المجوسية أو النصرانية أو غيرها.
فإذا تأدب المسلمون بهذه الآداب التي منها أدب الإيثار، وأدب المحبة، وأدب المواساة ونحوها، أحب بعضهم بعضاً، وأحبهم الآخرون ودخلوا في الإسلام وتمكن في قلوب الذين دخلوا فيه حديثاً لِما رأوا من آداب وأخلاق أهله.
وإذا ما تخلق المسلمون جميعاً بهذه الأخلاق أصبحوا بذلك أمة لها قوتها ولها معنوياتها، ولها مكانتها في الأمم السابقة واللاحقة. وهذا ما يريده منا الإسلام.