فلو قلنا ذلك لهم لما امتثلوا، فدل ذلك على أنهم متناقضون.
فما دام أنك تقدر، وأنك تقلب في أمور الدنيا، فلماذا لا يكون لك القدرة على الأعمال الصالحة، مثل العبادات والطاعات والحسنات والقربات ونحوها؟!
كذلك أيضاً نقول لهم: إن هذا كله بقضاء وقدر، ولكن لكم أفعال تستطيعون بها أن تنسب إليكم، فقد روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه سارق، فلما أراد أن يقطع يده، قال السارق: يا أمير المؤمنين، هذا قدر، فالله قدر علي هذه السرقة. فقال عمر رضي الله عنه: أنت سرقت بقدر الله ونحن نقطع يدك بقدر الله فإذا كان هذا بقدر فهذا أيضاً بقدر!
كذلك ذكر أن رجلاً كان يقود أعمى، فجعل يقوده بعنف، وجعل يعثر به في الحفر، وفي الحجارة، ونحوها ويقول: هذا بقدر! هذا مقدر! ثم إن الرجل الأعمى ضربه بعصاه بقوة، فقال: هذا أيضاً بقدر، فإذا كان تعثرك بي وتعمدك بي بقدر، فأنا أضربك بقضاء وقدر!
ونقول لهؤلاء أيضاً: إن العقوبة التي رتبها الله تعالى على هذه الأفعال، لا شك أنكم تستحقونها؛ لأن الله رتب على من فعل كذا عقوبة كذا، فالعقوبة على أفعالكم بقضاء وقدر.
القسم الثالث: أهل السنة والجماعة:
إن عقيدة أهل السنة أن الله تعالى أعطى العباد قدرة يزاولون بها أعمالهم، أو جعل لهم اختياراً يفضلون به بعض الأعمال على بعض فلذلك تنسب إليهم أعمالهم، وتضاف إليهم أفعالهم، ولو كانت بقضاء الله وبقدره وبمشيئته، فإنه سبحانه لا يعصى قسراً، ولا يكون في الوجود إلا ما يريد، ولكن له الحجة البالغة.
والله سبحانه وتعالى يذكر دائماً احتجاج المشركين بالقدر، ثم يرد عليهم، وينكر عليهم، مثل قوله تعالى: ((سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء - هذا احتجاج من المشركين بعموم مشيئة الله – إلى قوله تعالى: قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين)) . (سورة الأنعام، الآيتان: 148، 149) . فأخبر بأن له الحجة، ولو شاء لهداهم.