وهم المعتزلة، فقالوا: إن العبد يخلق فعله، وليس لله قدرة على أفعال العباد، بل العبد هو الذي يتحرك بنفسه، وهو الذي يفعل بنفسه، والله لا يقدر أن يرده، فلو أراد العبد شيئاً وأراد الله ضده، لم يقدر الله على أن يرده!
وهؤلاء غلوا في قدرة العبد، ونفوا قدرة الله، وادعوا أن ذلك تنزيه لله، وهؤلاء في الحقيقة قد تنقصوا الله، وجعلوه عاجزاً! وقد تكلم بعض العلماء عليهم في ذلك، ومنهم صاحب شرح الطحاوية، وأورد لذلك قصصاً وأمثالاً.
القسم الثاني: غلبوا قدرة الله:
وهم الجبرية الذين لم يجعلوا للعبد أية قدرة؛ بل جعلوه مجبوراً على حركاته وعلى أفعاله، وليست له أية أفعال، ولا تنسب إليه أية أقوال! بل إن حركاته بمنزلة حركة الشجر التي تحركها الرياح، أو حركة المرتعش الذي ترتعد يداه، ولا يقدر على أن يمسكهما، فجعلوه مجبراً على فعله، ولم يجعلوا له أي اختيار في ذلك، ويقول قائلهم:
ألقاه في البحر مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماءِ!!
ويقول آخر:
وضعوا اللحم للبزاة على ذروتي عدن ثم لاموا البزاة إذ أطلقوا لهن الرسن
لو أرادوا صيانتي ستروا وجهك الحسن
فكأنهم يقولون: إن الله هو الذي أوقع العبد في المعصية، وهو الذي حرك أفعاله، فإذن تعذيبه له يكون ظلماً، فليس للعبد أي اختيار!! ولا شك أنهم مخطئون.
ولا بأس أن أعلق على أقوالهم وإن كان الكلام يستدعي طولاً، فأقول:
إن هؤلاء متناقضون، ذلك لأنهم لا يستمرون على فعلهم؛ بل إنهم لا يعتمدون عليه في كل الأحوال، ولا يحتجون بالقدر في كل حال من الأحوال.
ونقول لهؤلاء: إذا كان الحال كذلك فلا تطلبوا المعيشة مادام أن الله قدر لكم رزقاً، فإنه سيأتيكم به، اجلسوا في بيوتكم ولا تتكسبوا، ولا تحرثوا، ولا تزرعوا، ولا تتاجروا، ولا تعلموا، ولا تعملوا، أي عمل! بل لا تأكلوا، ولا تشربوا، ولا غير ذلك، فإذا كان الله قد قدر لكم ذلك فإنه سيأتيكم ويصل إليكم!