* فإن أراد هذا الكاتب بمدد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إعطاءه لمن سأله، ونصره لمن استنصر به، وإجابته لمن دعاه ونحو ذلك، فمثل هذا لا يملكه الرسول صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، بل هو إلى الله تعالى، كما قدمنا بعض الأدلة على ذلك كقوله تعالى: ((قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً قل إني لن يجيرني من الله أحدٌ ولن أجدَ من دونه ملتحدا)) (الجن:21-22) . وقوله: ((قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب)) (الأنعام:5) . وقوله صلى الله عليه وسلم لأقاربه: "أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئاً". وقوله في حديث الغلول: "لا أغني عنك من الله شيئاً قد أبلغتك".
فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك جنس هذا المدد في حياته فهكذا لا يملكه بعد مماته، بل لا يملكه أحد من خلق الله، لا مَلكٌ مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهما، فمن اعتقد أنه صلى الله عليه وسلم يمد من سأله، ويعطي من طلبه، وينفع من دعاه مع الله، فقد جعله لله نداً وصرف له خالص حق الله، وهذا النوع من الإمداد هو مراد هذا الكاتب وأضرابه، وغاب عنهم أن الصحابة ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يعتقدوا هذا الاعتقاد، ولم يفعلوا معه ما يدل عليه، فلو كانوا يعتقدون فيه هذا النوع لتهافتوا إلى قبره يطلبون منه المدد والإعطاء، فكم نزلت بهم من مصيبة؟! وكم وقعت من فتنة؛ كوقعة الحرة ونحوها؟! وكم سلط عليهم الأعداء؟! ولم يحفظ أنهم جاؤوا إلى القبر مستنصرين، ولا فزعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: المدد يا رسول الله!! ولو كان هذا اعتقادهم لتوافدوا إلى قبره أفواجاً، وأقبلوا إليه من كل حدب وصوب زرافات ووحداناً، فلما لم يفعلوا عُرف أن هذا الاعتقاد إنما هو من بدع المتأخرين؛ حيث أوقعهم الشيطان في ذلك الاعتقاد السيئ، ونتائجه الشركية، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.