وإن أراد الكاتب أنه من أهل العطاء، أي الذين أعطاهم الله نوعاً من التصرف والملكية، فهذا لا دليل عليه، وإنما خصائص الأنبياء نزول الوحي عليهم وتكليفهم بالتبليغ عن الله ما نزل إليهم، ولم يعطهم شيئاً من حقه الذي هو الدعاء والعبادة والتأله، ولا ملكهم رزق العباد، وهبة الأولاد، وشفاء الأسقام البدنية، وغفران الذنوب ونحوها، وعلى هذا فمن اعتقد في نبي، أو ملك، أو ولي، أو مخلوق، أنه مفوّض من الله في إهلاك من شاء، أو إعطاء من أراد، أو إدخال جنة أو ناراً، فقد صادم النصوص، وأشرك المخلوق في حق الخالق؛ فإن الله تعالى قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، -وهو أشرف الخلق وأفضلهم-: ((إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)) (القصص:56) . فإذا كان سيد الخلق، وخاتم الرسل، لا يقدر على هداية عمه أو أقاربه فكيف يهدي أبعد الخلق وأشفاهم إذا دعوه مع الله وصرفوا له ما لا يستحقه إلا الله؟ ‍ ولقد أمره الله تعالى أن يعترف بعدم ملكيته لشيء من ذلك؛ لأنه حق الله وحده، قال الله تعالى: ((قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً)) (الجن:21) . والرشد: الهداية القلبية وإيصال الإيمان إلى القلوب، بخلاف البلاغ والبيان؛ فإنه وظيفته ورسالته كما قال تعالى: ((إن عليك إلا البلاغ)) (الشورى:48) . وقد أخبر بأنه يهدي إلى الحق، أي: يدل عليه، كما قال عز وجل: ((وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)) (الشورى:52) . والمراد هداية البيان والدلالة والإرشاد، فأثبت هداية البيان ونفى هداية التوفيق والإلهام وقبول الإسلام، فمع هذه النصوص الصريحة كيف يقال: إن المخلوق يملك بتمليك الله الهداية والإضلال، والإعطاء والمنع، والإحياء والإماتة، أو يتصرف بإذن الله في الكون فيرسل الرياح ويثير السحب، وينزل المطر، وينبت النبات، ويخلق، ويرزق؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015