وجاء أيضاً بعده تلميذ له وهو محمد بن حامد وجمعه أيضاً في مجموع آخر، وكاد مذهب الإمام أحمد أن يضمحل ولا يكون له أتباع إلى أن جاء عهد القاضي أبي يعلى، فاعتنق هذا المذهب، ولما تولى القضاء أظهر هذا المذهب ودعا إليه، وألف فيه المؤلفات، وانتشر المذهب وصار له أتباع من ذلك اليوم وحتى يومنا هذا.
هذه هي المذاهب الأربعة، ولكن هل كان بعضُهم يضلل بعضاً؟، حاشى وكلا، كلهم متآخون ومتحابون ومجتمعون على الحق.
سئل الإمام الشافعي فقيل له: هل نصلي خلف من يقلّد مالكاً؟ فارتعد وقال: ألست أصلي خلف مالك! فمالك شيخ الشافعي الذي أفاده فوائد كثيرة جمة، فأنكر على هذا الذي قال إننا نتورع أن نصلي خلف المالكية لأنهم يخالفوننا في أشياء، والخلافات التي بينهم في الصلاة مثلاً في الجهر بالبسملة أو التلفظ بالنية، أو في بعض الأشياء اليسيرة القليلة، وكذلك بينه وبين الحنفية خلافات لا تبطل بها الصلاة.
مع ذلك كله فإن هؤلاء الأئمة ليسوا هم العلماء كلهم، بل في زمانهم من هو أهلٌ للاتباع وأهلٌ للعلم؛ فالإمام الليث بن سعد عالم مصر كان أيضاً عالماً جليلاً كبيراً، وله أيضاً أتباع، وإن لم يكن له مؤلفات ولا مذهب متبع. وكذلك الإمام الأوزاعي أبو عبد الرحمن عالم الشام في زمانه، وله أيضاً أتباع، وله تلاميذ كثيرون.
ولكن المجمع واحد، فكلهم يتبع الآخر إذا ظهر له الحق مع أحدهم، فإنهم يتبرؤن من الخطأ ويقولون لتلامذتهم: إذا اتضح لكم الخطأ في قولنا فلا تتبعوه، اتبعوا الحق وخذوا به.
ذكروا أن الإمام أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين، فنحن رجال وهم رجال؛ وذلك لأنه من التابعين.