هذا آخر العقيدة، ختمها بهذه الجملة، وهي حكم الانتساب إلى المذاهب الأربعة الفرعية. وقد ذكرت قريباً أن هذا يعتبر من الفروع لا من الأصول، أو يلحق بأصول الفقه، ولكن هناك من يجعله من أصول العقائد، ويتشدد في النهي عن الانتساب إلى المذهب. فهناك فرق في الهند وفي الباكستان يسمون أنفسهم (أهل الحديث) يشددون على المنتسبين إلى المذاهب، ولكن لا نلومهم؛ لأن هناك من يتعصب عندهم للمذاهب تعصباً زائداً، فآل بهم الأمر إلى أن جعلوا الانتساب إلى المذهب كالانتساب إلى المعتقد. فقالوا: لا يجوز أن تكون جهمياً ولا أن تكون أشعرياً، ولا أن تكون كرّامياً، ولا كٌلابياً، ولا سالمياً، ولا واصلياً، ولا نظامياً، ولا جاحظياً، وما أشبه ذلك، ولا يجوز أن تكون شافعياً، ولا حنبلياً، ولا مالكياً، ولاحنفياً، ولا ثورياً، ولا ليثياً..
وجعلوا الانتساب إلى المذاهب كالانتساب إلى المعتقدات، وهذا خطأ وما ذاك إلا أن أهل المذاهب أولاً كلهم من علماء السنة، وكلهم من أهل الحديث، فتح الله تعالى عليهم ورزقهم فقهاً وفهماً، فجمعوا بين الحفظ والفهم، فأدى بهم اجتهادهم إلى أقوال دونوها في مؤلفاتهم.
فأولهم (أبو حنيفة) رحمه الله، كان ذكياً، عنده قوة إدراك، وعنده قوة فهم، فكان يفتي بهذه الفتاوى ويعللها، ويسر الله له تلميذين وهما أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، سجلا فتاواه وأقواله في مؤلفات كثيرة، فانتشر مذهبه، وبسبب كتب هذين العالمين تمكن وصار له مذهب متبع، وهو لم يكتب هذه الفتاوى بنفسه، إنما تارة يمليها على التلاميذ، وتارة يكتبونها هم؛ إذا استفادوا منه فائدة كتبوها ثم جمعوها في مؤلف، ثم انتشر هذا المذهب واعتنقه من اعتنقه.