بعدما ذكر ما يتعلق بحق الرب سبحانه وتعالى، ذكر أيضا ً حق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن له حقاً على أمته، حقاً نعتقده فيه، وحقاً نعامله به. ولكنه حق يناسبه صلى الله عليه وسلم، فحق الله تعالى يليق به، فلله حق وللنبي صلى الله عليه وسلم حق.
يقول ابن القيم:
للربّ حقٌ ليس يُشبه غيره ولعبده حقٌ هما حقان
لا تجعلوا الحقين حقاً واحداً، أي لا تخلطوا بين الحقين، فحق الله تعالى منه أن نعرفه ونعبده وندعوه ونعظمه ونعتقد صفات كماله ونعوت جلاله. أما حق النبي صلى الله عليه وسلم فهو تصديقه؛ فنشهد بأنه مرسل من ربه، ومن كذب برسالته لم يصح إيمانه؛ وذلك لأن معرفة الله، ومعرفة حقوقه، ومعرفة العبادة ومعرفة الإيمان باليوم الآخر، ومعرفة العبادات كلها، إنما جاءت بواسطته، فهو الذي جاءنا بالقرآن، وهو الذي شرح لنا القرآن، وهو الذي علمنا هذه السنة، وعلمنا كيفية الأعمال؛ إذاً فله حق على أمته أن يشهدوا له بأنه مرسل من ربه، ثم يشهدوا أيضاً بفضله وبمزيته، وبما أعطاه الله من الفضل وفضّله على الأنبياء قبله، والناس بالنسبة إلى حق النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام: طرفان ووسط:
الأول: الذين جفوا في حقه. لا يأخذون من سنته إلا ما يوافق أهواءهم، ولا يعملون من شريعته إلا بما يناسبهم، إذا جاءتهم السنة التي سنها نظروا؛ فإن ناسبتهم أو وافقت ميلهم صدقوها وقبلوها وعملوا بها وإلا نبذوها وطرحوها، فهؤلاء ما صدقوه حق التصديق، حيث إنهم قبلوا بعض الشريعة دن بعض، فأخذوا منها ما يناسب أهواءهم.