فالصلاة عرض ومع ذلك يكون لها هذا الجرم، وكذلك الصيام يكون له جرم يوزن، وكذلك بقية الأعمال يجعلها الله تعالى أجراماً، وهكذا أيضاً الذي له جرم مثل الصدقات، ورد أن الله تعالى يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، يربي الصدقة ولو كانت يسيرة قليلة حتى تكون مثل الجبل، ثم بعد ذلك توزن وتثقل أو تخف بحسب نية صاحبها.
القول الثاني: أن الذي يوزن هو الصحف؛ أي صحف الأعمال التي كتبها الكتبة فهي التي توزن، ولكنها تخف وتثقل بحسب ما فيها من الأعمال صلاحاً أو فساداً.
واستدل على ذلك بحيث صاحب البطاقة وفيه (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر شيئاً من هذا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ يقول: لا يارب. يقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب. فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة وتوضع البطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) .
فهذا دليل على أن الأعمال التي تكتب في الصحف توزن؛ أي توزن تلك الصحف، وأن الثقل والخفة بحسب صحة العمل وبحسب الإخلاص فيه. وكما في الحديث الذي فيه قول الله تعالى لموسى: (لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله) وهذا في حق من أخلص توحيده، ونطق بهذه الكلمة عن إخلاص وصدق ويقين.