ومن ذلك: لما جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه ولطه ففقأ عينه، فرجع ملك الموت إلى ربه تعالى فرد عليه عينه، هذا حديث صحيح فلا طعن فيه، وقد استبعده من استبعده كبعض الفلاسفة وبعض المعتزلة، وقالوا: هذا خبر آحاد ولو كان صحيحاً فلا نقبله، وقالوا:
أولاً: إن الملك ليس من جنس البشر، فكيف مع ذلك تُفقأ عينه؟.
ثانياً: إن الملائكة أرواح فكيف يُتصور أنهم مثل الآدمي؟.
وأيضاً: فإن موسى نبي من أشرف الأنبياء ومن أولي العزم، فكيف يجرؤ على ملك الموت ويلطمه بهذه اللطمة إلى أن يفقأ عينه؟، إلى آخر ذلك من الاعتراضات.
قال أحمد شاكر في تعليقه على المسند وغيره: إن موسى رآه داخلاً بيته بدون إذنه في صورة إنسان، فعند ذلك لطمه ظناً منه أنه متلصص، أو أنه داخل لينظر ويتطلع على داخل بيته، وهذا جائز في شرعنا، قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أن رجلاً اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤا عينه) وثبت أن رجلاً اطلع في جُحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الرسول صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك.. الحديث) .
فيقول: إن هذا الملك تصور بصورة إنسان، ودخل على موسى فظنه موسى من المتلصصين، فعند ذلك فقأ عينه، ولا غرابة في أن موسى غضب لما أخبره بأنه جاء ليقبض روحه فلطمه ففقأ عينه، فرد الله تعالى عين ملك الموت عليه.. إلى تمام الحديث.