فعرفنا بذلك أن واجب الإنسان أن يصدق بالغيب مما أخبر الله به، أو أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان يقينا، وسواء أدركته العقول أم قصرت ويدخل في هذا: الإيمان بما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الوقائع التي قد يستبعدها بعض الناس، وكذلك أيضا ما وقع للأنبياء عليهم السلام قبله، وكذلك ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة، وما أخبر به من عذاب البرزخ وأموره، وما أخبر الله به من البعث والنشور، والجزاء على الأعمال، والجنة والنار، وما يكون في يوم القيامة. كل ذلك داخل في الإيمان بالغيب؛ وما ذلك إلا لأنه غائب عن الأنظار، وإنما يُعتمد فيه على الخبر.

والخبر إذا جاء عن الصادق المصدوق وجب قبوله وتقبله، ولو استبعدته العقول وأحاله من أحاله، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة بل والمسلمين عامة؛ فإن المسلمين الذين صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم يلزمهم أن يصدقوه بما أخبر به، ولو لم تدركه عقولهم، أما الذين لا يصدقونه مطلقاً، أو يقبلون بعض ما جاء به فهؤلاء ليسوا حقاً من أتباعه.

فمثلاً الفلاسفة الإلهيون، يكذبون بما أخبر الله به من بدء الخلق، وينكرون أن يكون لهذا الخلق أول، أو يكون له آخر، فينكرون أن آدم خلق من تراب، بل يعتقدون أن هذا الجنس من الناس قديم لم يبدأ، ولم يكن له أول، ولم يزل هكذا دائماً وأبداً، ليس له مبتدأ وليس له نهاية، وينكرون قيام الساعة، وينكرون بعث الأجساد، وينكرون انقطاع هذا الجنس من الناس ويقولون: هكذا تبقى هذه الدنيا دائمة؛ أرحام تدفع، وأرض تبلع من غير نهاية، هكذا معتقدهم.

فكذبوا بما أخبر الله به وبما أخبر به رسوله، وما ذاك إلا أنهم لم تصل معرفتهم إلى الإيمان الصحيح، فوقعوا فيما وقعوا فيه من هذا الشك، وهم مثل من قال الله تعالى فيهم أنهم: (في ريبهم يترددون) (التوبة:45) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015