إذن عرفنا أن هذا القول باطل، وهناك من يقول: إن الإيمان هو مجرد التصديق. وهذا القول مشهور عند الحنفية، وقالوا: إنه مسمى الإيمان في اللغة، ولهم كلام طويل، ولكن نحن نقول: إن الله تعالى قد وصف المؤمنين بصفات زائدة على التصديق، مما يدل على أنه لابد مع التصديق من الأعمال، فلا يكون المؤمن مؤمناً إلا بتلك الأعمال.
الدليل الأول: قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) (الأنفال:2-3) ، فجعل المؤمنين حقاً هم المتصفون بهذه الصفات الخمس، ومنها ما هو عمل بدني كالصلاة، أو عمل مالي كالنفقة، أو عمل قولي كالذكر، أو عمل قلبي كالوجل، فدل على أن الإيمان يعم هذه الأشياء.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) (السجدة:15) نفى الإيمان عن غير هؤلاء، فأصبح من الإيمان الخرور سجوداً لله (إذا ذكروا بها خروا سجداً) (السجدة:15) ، والتسبيح بحمد الله وعدم الاستكبار والتجافي (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) (السجدة:16) ، والدعاء (يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) (السجدة:16) إلى آخرها، فهذا كله من الإيمان.
الدليل الثالث: قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) (الحجرات:15) فجعل من الإيمان الجهاد وترك الريب والعمل، فلا شك أن هذا كله دليل على أن الإيمان شيء زائد على التصديق.
إذن فيكون الإيمان مثلما عرفه الموفَّق رحمه الله؛ وهو قول أهل السنة، وقد ذكروا أن البخاري رحمه الله يقول: رويت في هذا الكتاب عن نحو ثلاثمائة من العلماء كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل، ويريد بذلك أن مشايخه الذين أخذ عنهم كلهم على هذا القول: (الإيمان قول وعمل) .