هذه الآيات ونحوها فيما يتعلق بالقضاء والقدر، وقد ذكرنا أن الإرادة نوعان: إرادة كونية، وإرادة دينية شرعية، فالإرادة الكونية يلزم وقوع مرادها، والإرادة الشرعية لا يلزم وقوع مرادها؛ فوجود هذه المخلوقات مراد إرادة كونية، نقول مثلاً: إن الله أراد كوناً وقدراً وجود هذا الاجتماع وخلق هؤلاء الأشخاص ونحو ذلك، كل هذا مراد كوناً وقدراً.
كذلك أراد كونا وقدراً وجود المبتدعة والكفرة والفجرة والعصاة ونحوهم -ولو شاء ما وجدوا- فهذه إرادة كونية قدرية أزلية سابقة معلومة لله قبل وجودها، ولابد من تحقيق مراد الله الذي أراده في الكون والقدر.
أما الإرادة الشرعية فإنه لا يلزم وجود مرادها، ولكن مرادها محبوب لله تعالى، فالله تعالى أراد من العباد كلهم أن يؤمنوا به ديناً وشرعاً، وأن يعملوا الصالحات وأن يصدقوا الرسل، وأراد منهم أن يتركوا المحرمات ولكن هل وجه هذا المراد كله أو وجد بعضه أراد منهم أن يؤمنوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر، فالذين آمنوا اجتمعت فيهم الإرادتان: إيمانهم الذي حصل مراد كوناً وقدراً لأنه مكتوب، ومراد شرعاً وديناً لأنه محبوب.
كذلك أعمالهم الصالحة التي عملوها كالصلاة والصدقة والجهاد والأذكار والتلاوة مرادة دينا وشرعاً، كما أنها مرادة كوناً وقدراً؛ لأن الله قدر أن هؤلاء يؤمنون ويعملون الصالحات في الأزل، ويكثرون من العبادات، ويتعلمون العلوم النافعة، ويعتقدون العقائد الصالحة؛ أراد ذلك كوناً وقدراً فوجد، وأراده دينا وشرعاً فوجد فيهم.