فعرفنا بذلك مذهب أهل السنة أنه لا شك أن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم، وأنهم يرونه رؤية حقيقة، ورؤية مقابلة كما يشاء، وأن الأدلة واضحة، ومن أصحها حديث جرير لقوله صلى الله عليه وسلم: (كما ترون هذا القمر) ، والتشبيه هنا للرؤية، شبه الرؤية بالرؤية، وليس المراد تشبيه الرب تعالى بالقمر، وإنما تشبيه رؤيتهم -لأنها رؤية حقيقة- كرؤيتهم القمر ليلة البدر، ولهذا قال: (لا تضامون في رؤيته) أي لا يلحقكم في رؤيته ضيم؛ وهو الضرر.

ثم مع هذه الأدلة التي ذكرنا قد خالف في ذلك المعتزلة فأنكروها صراحة، وخالفوا فيها خلاف عناد؛ لأنها عندهم تستلزم إثبات الجهة أو تستلزم المقابلة، فلم يكن بدُ من أن يردوا الأدلة رداً شنيعاً، ويخالفوها مخالفة واضحة، ولا يزالون على ذلك.

طبع قبل عشر سنوات أو خمسة عشر سنة كتاب اسمه (متشابه القرآن) في مجلدين للقاضي عبد الجبار، وهو من رءوس المعتزلة، وحققه رجل يقال له: (عدنان محمد زرزور) ، وذهب إلى ما ذهب إليه القاضي، فإذا أتى إلى آيات العلو، وآيات الاستواء، وآيات الرؤية حرفها، وجعلها من المتشابه وحملها محامل بعيدة، وإذا أتى إلى الآيات التي فيها شبْهُ استدلال لهم يقول: لنا قوله تعالى مثل هذه الآية: (لا تدركه الأبصار) (الأنعام:103) .

وورد كتاب -لأحد الإباضية يقال له: أحمد الخليلي، في عُمان- اسمه (الحق الدامغ) انتشر ووزع بكميات لأنه في زعمه وصل إلى الحقيقة، وسقط على المراد، تكلم فيه على مذهبهم في العقيدة في ثلاث مسائل؛ في مسألة الرؤية؛ فينكرها إنكاراً صريحاً، وفي مسألة خلق القرآن؛ فيدعي أنه مخلوق، وفي مسألة إثبات خلق الله لأفعال العباد؛ فينكر قدرة الله على أفعال العباد، ويبالغ في هذه المسائل الثلاث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015