ثم حكى الله عن المشركين الذين عارضوه هذه الحكايات فحكى عنهم قولهم أنه أساطير الأولين، لما سمعوا فيه هذه القصص قالوا: إنه أكاذيب الأولين قال تعالى: (وقالوا أساطير الأولين أكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً) (الفرقان:5) كيف تملى عليه وهو أمي لا يكتب ولا يقرآ؟ يقول تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) (العنكبوت:48) .
كذلك حكى الله عنهم أنهم قالوا: إنه شعر، إنه كهانة، والشعر معروف أنه له أوزان، وله قواف، والقرآن ليس كذلك، ومعلوم أن الكهنة يستعملون في كلماتهم سجعات متتالية، وليس كذلك القرآن، ولهذا رد الله عليهم بقوله تعالى: (وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون) (الحاقة:41-42) .
ولما أوردوا هذه الإيرادات على بعض كفار قريش -وهو الوليد بن المغيرة- لم يقنع بها فقالوا: فماذا نقول؟ قال: نقول إنه سحر يؤثر. يعني يُنقل ممن قبله، فقال الله تعالى حاكياً عنه: (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر) (المدثر:24-26) كيف يكون سحراً يؤثر؟ من أين أثر، ومن أين جاء؟ فتبين أن هذا دليل على أنهم يشيرون إلى القرآن الذي يتلى عليهم؛ لأنه لو كان معنوياً لم يوصف بأنه شعر، ولا أنه سحر، ولا أنه كهانة، ولا أنه أساطير الأولين، ولا أنه افتراه كما في قولهم: (افتراه) يعني كذبه واختلقه، فدل على أنهم يشيرون إلى هذا القرآن.
وقوله:
وقال تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله) (البقرة:23) ، ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يدري ما هو، ولا يعقل.
شرح: