القول الأول: ينسبونه للسلف، وهو أنهم يعتقدون أن السلف يسكتون ولا يعتقدون فيها مجيئاً حقيقياً بل يسكتون عنها، ويتركون الكلام فيها، ويمرونها دون أن يتكلموا فيها أو يفسروها بأي نوع من أنواع التفسير، وإنما يسكتون عنها دون الخوض فيها، ويقولون: لا تأويل لها ولا تفسير لها ولا نخوض فيها، ولا نتكلم فيها، ولا ندري ما معناها، ولا نبحث في دلالتها. هكذا يزعمون أن السلف على هذه الطريقة.
والقول الثاني: تأويلهم لها بأنواع من التأويلات المتكلفة، وأكثرهم على أن فيها مقدراً تقديره: جاء أمر ربك، أو يأتيهم الله أي أمر الله (أو يأتي ربك) (الأنعام:158) أي أمر ربك.
وكان من جملتهم زاهد الكوثري الذي حقق كثيراً من الكتب وأفسدها، فمن جملة ما حققه كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي، فإنه أفسده بتعليقاته عليه، ولما أتى على هذه الآية قال: إن الله يقول في سورة النحل: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك) (النحل:33) ، قال: ما دام في سورة النحل (أو يأتي أمر ربك) فإنا نقول كذلك في سورة البقرة (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) (البقرة:210) أي أمر الله، وكذلك آية الأنعام (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك) أي أمره؛ وكذلك في سورة الفجر (وجاء ربك) (الفجر:22) ، أي جاء أمره فجعل هذا محمولاً على الآية التي في سورة النحل، وقال: إن القرآن يفسر بعضه بعضاً.
ونحن نقول: لا يلزم من إتيان أمر الله في آية سورة النحل عدم إتيانه تعالى في آية أخرى، وإذا أثبتنا لله الإتيان قلنا يجيء كما يشاء، والأحاديث التي في الشفاعة فيها؛ أن بني آدم يطلبون الشفاعة ليأتي الله لفصل القضاء بين عباده، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: بأنه إذا طلبت منه الشفاعة جاء، فإذا رأى ربه سجد، وأطال السجود، فيقول الله تعالى له: (ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع.. الحديث) .