فهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، وكان تلامذتهم يتكلمون بالدليل ولا يبالون، وهكذا نقل عنهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: أنهم كانوا وسطاً؛ ليسوا من الذين يعرضون عن هذه الأشياء ولا يذكرونها في عقائدهم، ويستوحشون إذا ذكرت؛ كما نقل أن رجلاً انتفض لما سمع حديثاً في الصفات استنكاراً لذلك، فقال علي: (ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه) كأنهم لا يجرؤون على أن يتكلموا بشيء من الآيات والأحاديث التي تشتمل على ذكر صفة من الصفات، والحق أن نتجرأ ونتكلم بها ولا نتردد في إثباتها هذا هو الصواب، ولكن لا نتقعر ونغلو فنتكلم في أشياء لا دليل عليها.

(فما فوقهم محسر) أي الذين يتجاوزونهم، و (ما دونهم مقصر) وهم بين ذلك على هدى مستقيم؛ أي وسط بين طرفين، وهكذا أهل السنة متوسطون بين طرفي نقيض بين ممثلة وبين معطلة.

مسألة: قول الإمام الأوزاعي رضي الله عنه في هذا الباب

قوله:

وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي رضي الله عنه: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول.

شرح:

الأوزاعي إمام أهل الشام من كبار تابع التابعين، أدرك كثيراً من علماء التابعين، وكان قدوة وأسوة في علمه رضي الله عنه ورحمه، وكان أيضاً من جهابذة الأمة ومن علمائها الذين حفظ الله بهم السنة في تلك البلاد.

يحثنا -رحمه الله تعالى- في هذا الأثر على أن نتبع آثار من سبق، وإن هجرَنا من هجرَنا؛ (وإن رفضك الناس) ، كأنه استشعر أن هناك من يهجر الحق ويهجر أهله الذين يروون أحاديث السنة، وأحاديث الصفات، ويمقتهم ويرميهم بأنهم مشبهة، وبأنهم ممثلة، فيقول: عليك بآثار من سبق، يعني الآثار التي يروونها، والتي يقولونها ويذهبون إليها، ويريد بمن سبق الصحابة، والتابعون من علماء الأمة، عليك بآثارهم؛ اتبع آثارهم وسر على نهجهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015