وهذا الحديث -أيضاً- إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بأن هناك محدثات، والمحدثات هي المبتدعات، فحذر منها، وأخبر بأن كل محدثة بدعة، ويراد بها ما يضاف إلى الشريعة من الأقوال والأفعال والعقائد، وأنه حادث بعد أن لم يكن، وأنه ضلال (كل بدعة ضلالة) ، والضلال هو الضياع، الضال هو التائه الضائع الذي ليس على هدى وليس على بيان.
وتلك البدع والمحدثات كثيرة، ولكن المهم منها ما يتعلق بالعقيدة فإن من عقيدة المسلمين -مثلاً- أن الرب سبحانه وتعالى موصوف بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم حدثت بدعة من فئة تنكر ذلك، وسموا معطلة، فهذه بدعة ضالة.
ومن عقيدة المسلمين؛ أن الإنسان ينسب إليه عمله وليس بمجبور، ثم حدثت بدعة فيها؛ أن الله لا يقدر على أفعال العباد، وهذه بدعة ضلال، ومن عقيدة المسلمين أن الإنسان ينسب إليه عمله ثم حدثت بدعة فيها؛ أن الإنسان ليس له اختيار، وأنه مجبور على فعله، وهذا بدعة ضلال.
وهكذا بقية البدع كبدعة الخوارج، وبدعة المعتزلة، وبدعة التكفير والتفسيق، وما أشبه ذلك، كلها من البدع التي أخبر بها في هذا الحديث (إياكم ومحدثات الأمور) ، وليس المقام مقام الكلام على تفنيد البدع، فهي مشهورة في كتب العلماء رحمهم الله.
مسألة: قول ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الباب
وقوله:
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (اتبعوا، ولا تبتدعوا، فقد كفيتم) .
شرح:
وهذا أيضاً من الآثار التي يستأنس بها، فابن مسعود رضي الله عنه من أجلاء الصحابة، أسلم قديماً، وهاجر، ونفع الله بعلمه، وزكاه عمر رضي الله عنه، وقال: (كنيف مُلئ علماً) ، وأرسله إلى العراق، وكان له تلامذة في الكوفة يأخذون برأيه، وحفظوا عنه علماً جماً، توفي سنة (32هـ) في خلافة عثمان.