حتى إنه حدثني بعض التلاميذ من الذين اعتقدوا العقيدة الصحيحة أنه تكلم مرة بعد صلاة الجمعة وأخذ يرغب في قيام الليل، وأورد هذا الحديث: (ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) البخاري ومسلم، فقال: إن هذا فيه حث على قيام الليل، فلما سمع الإمام -وكان أشعرياً- هذا الحديث هرب وخرج استنكاراً له حيث إنهم يقولون: إنه لا يدل على صفة، وإنه لا يستدل به لكونه ليس بمتواتر، ونحو ذلك.

واصطلح هؤلاء الأشاعرة ونحوهم -الذين سموا علمهم بعلم الكلام- على أن الصفات لا تثبت بالأحاديث إلا إذا كانت متواترة، وأما أحاديث الآحاد فلا تقبل في الصفات، لأنهم اصطلحوا على أن المتواتر يفيد اليقين، وأن الآحاد يفيد الظن، وقالوا: لا يمكن أن تكون صفات الله دلالتها دلالة ظن، فلا نثبتها بالأحاديث التي لم تبلغ درجة التواتر، بل نرد كل حديث في الصفات إذا لم يبلغ حد التواتر.

ونحن إذا نظرنا لم نجد الأحاديث المتواترة إلا قليلة، مثل أحاديث الشفاعة، مع أن المعتزلة ردوا أحاديث الشفاعة، وقد بلغت حد التواتر، فلم يعملوا باصطلاحهم، وأحاديث النزول ردوها لأنها في نظرهم آحاد، وكذلك بقية الصفات مثل حديث العجب، وحديث الضحك، وحديث النداء، وحديث الكلام، وحديث الصوت؛ كلها ردوها، وقالوا: إنها ظنية لأنها آحاد، فلا نقبل إلا ما هو متواتر، سبحان الله ألستم قبلتموها في الأحكام وفي الأوامر والنواهي، وفي الحلال والحرام فلماذا تقبلونها هنا وتردونها هناك؟ ألستم في هذا كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض؟ ألستم كمن يقول: (نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً) (النساء:150) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015