ومعلوم أن جميع الذين يدينون بالإسلام، أو يدينون بالعبودية لله تعالى؛ مسلم وكتابي وغيرهم، يعتقدون أن هذا الوجود لابد له من موجد، وأن الموجد الذي أوجده واجب الوجود، وقد اطلعنا على ذلك، ولكن باصطلاحات وبعبارات فلسفية منطقية، ويكفي أن نستدل على ذلك بقوله تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) (الطور:35) ، فإذا لم يكونوا خلقوا من غير شيء، ولم يكونوا هم الخالقين تعين أن لهم خالقاً، والخالق لابد أن يكون غنياً عما سواه وما سواه فقير إليه.

وإذا كان كذلك فإن الخالق سبحانه لا يمكن أن يشابه المخلوق الذي تعتريه الآفات والتغيرات والنواقص التي تنزه عنها الخالق سبحانه، نزه نفسه عن الموت كما في قوله تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت) (الفرقان:58) ، ونزه نفسه عن النوم، وعن النعاس، قال تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم) (البقرة:255) ، السنة هي النعاس، وهو مقدمة النوم وما أشبه ذلك.

فهذه صفات تبين تنزهه عن مشابهة المخلوقات، وتنزهه عن أن تدركه عقول المخلوقين، أن يعرفوا كيفية صفة من صفاته فضلاً عن كيفية ذاته.

ثم استدل بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (الشورى:11) ، فهذه الآية رد الله فيها على الطائفتين الممثلة والمعطلة.

أولها رد على الممثلة: (ليس كمثله شيء) وآخرها (وهو السميع البصير) رد على المعطلة، ولأجل ذلك كان آخرها ثقيلاً على هؤلاء المعطلة حتى روي عن رئيس من رؤسائهم وهو ابن أبي دؤاد أنه قال للخليفة المأمون: أحب أن تكتب على الكعبة، أو على كسوة الكعبة: ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم، أراد أن يحرف القرآن؛ لأن كلمة وهو السميع البصير، تطعن في معتقد ابن أبي دؤاد الذي ينكر السمع والبصر، بل ينكر كل الصفات الذاتية، والصفات الفعلية، فلذلك ذكر ابن قدامة في مقدمة كتابه هذه الآية (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (الشورى:11) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015