وهكذا نقول في الغسل فإن الاغتسال أيضاً طهارة شرعية أمر الله الإنسان بعد الجنابة أو نحوها أن يغتسل، كما في قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل، حتى تغتسلوا) ، وقوله: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) . فالاغتسال هو تعميم البدن بالماء أي غسل البدن كله بالماء، وفيه أيضاً إفراط وتفريط. وفيه غلو وجفاء على حد ما ذكرنا في الوضوء. فإن هناك من يقيم في الاغتسال ساعة أو أكثر. وربما دلك جسده وبالغ في دلكه، حتى أخبرني بعضهم أنه يدلك جسده ويحكه بأظفاره، ويعتقد أن الماء يزل عليه ولا يتبلغه، حتى يخرج الدم من حكه بأظفاره ومبالغته في حك جسده، وهذا بلا شك غلو وإفراط وزيادة ما أنزل الله بها من سلطان. ولا شك أن الشيطان هدفه وقصده أن يمله من هذه العبادة، حتى يضجر ويتركها.
وهكذا الذين يكتفون بالمسح، إذا اغتسل أحدهم لا يدلك جسده، بل يمر الماء عليه، ولا يبالي، وهذا أيضاً عليه خلل. وقد عرفنا أن السبب الموقع في هذا هو الشيطان الرجيم الذي هو عدو الإنسان والحريص على أن يبطل عليه أعماله كما يبطل عقيدته، فالشيطان يرى أو يشم قلب الإنسان، فإن رأى تصلباً، ورأى فيه تشددا جاءه من باب الزيادة، وقال له: أنت لا يكفيك مثل ما يكفي غيرك، بل عليك أن تزيد وتبالغ، فإذا توضأ الناس بالمد، فلا تكتف به، بل توضأ بالصاع، أو الآصع، وإذا غسل الناس أيديهم ثلاثا فلا تكتف بسبع ولا بعشر، بل زد عليهم حتى تكون أكثر، ويزين له أن الأجر على قدر النصب وأنه كلما كثر العمل كان الأجر عليه أضعافا مضاعفة. وهذا وسوسة من الشيطان. فالاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وبسنته هو الواجب علينا، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما زاد على ذلك هو محدث، وشر الأمور محدثاتها.